أقر مجلس الوزراء السعودي أول من أمس قواعد أعلنتها الهيئة العامة للاستثمار في أيلول (سبتمبر) الماضي، تسمح بالملكية الأجنبية الكاملة (100 في المئة) في قطاع تجارة الجملة والتجزئة التي يبلغ حجمه نحو 400 بليون ريال، في خطوة متوقعة بعد أن كان سقف الملكية السابق 75 في المئة، في خطوة تؤكد جدية السعودية على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لمساعدة الاقتصاد على التحول وفق «رؤية 2030». ويرى اقتصاديون أن فتح قطاع التجزئة بملكية أجنبية كاملة يحقق الأهداف التي طرحتها هيئة الاستثمار في إعلانها هذا الأمر، وفي مقدمها خفض الأسعار، إضافة إلى خلق وظائف كبيرة ورفع جودة هذا القطاع الذي يعاني من مشكلات حقيقية تضر كثيراً الاقتصاد السعودي وترهق موازنات المواطنين. وأكد الاقتصادي أحمد العبدالله، أن الاقتصاد السعودي كان بحاجة إلى هذه الخطوة منذ سنوات، والتي تحقق في حدها الأدنى خلق تنافس حقيقي بين الشركات والمؤسسات القائمة وبين الشركات الأجنبية المقبلة، ما يعود على المواطن بالفائدة من ناحية الأسعار وجودة السلع، مبيناً أن السوق السعودية عانت كثيراً من السلع الرديئة التي تستنزف مقدرات المواطنين وتلحق أضراراً مادية بمقدرات البلاد. وأوضح أن إعلان الهيئة العامة للاستثمار أنها استقبلت طلبات الشركات العالمية لمزاولة نشاط تجارة الجملة والتجزئة لمنتجاتها في المملكة، كما هي الحال مع شركة «أبل»، يؤكد جاذبية قطاع التجزئة واستعداد الشركات العالمية الكبرى للدخول والمنافسة وخلق استثمارات كبيرة مستقبلية، مبيناً أن التقديرات تشير إلى أن حجم قطاع التجزئة في السعودية يصل إلى 400 بليون ريال، بصفته أحد أكثر أسواق العالم جاذبية للاستثمار بالنظر إلى القوة الشرائية والنمو السكاني والوضع الاقتصادي المستقر ومعدل دخل الفرد، وهي الأمور المطلوبة للنمور وتحقيق الأرباح. وأضاف: «لا يزال قطاع التجزئة في السعودية، على رغم جاذبيته وتحقيقه للأرباح الكبيرة، يعاني من سيطرة مؤسسات فردية غير مؤهلة عليه، وأن أكثر من 65 في المئة من قطاع التجزئة غير منظم، ويفتقر إلى المهنية التي تضمن الجودة». وبين أن «العمالة الفردية الأجنبية التي تسيطر على الجزء الأكبر منه تشكل ضغطاً اقتصادياً على الوطن وفرص عمل وفرص تجارة مهمة، كما يترك آثاراً سلبية تتعلق بالأمن الوطني والجوانب الصحية الأخرى والغش والتدليس وسوء البيع والتقديم والصيانة، وذلك لتحقيق عوائد أكبر في مقابل خدمة أقل». من جانبه، أشار سالم الغانم (مالك مؤسسة للتجزئة) إلى أن قطاع التجزئة في العالم أصبح يتجه نحو الشركات الكبيرة التي توفر مجموعة من المطالب للمستهلكين لا توفرها المؤسسات الصغيرة، كما أن التوجهات الجديدة في قطاع التجزئة هي توجه أذواق المستهلكين نحو الأسواق الحديثة الشاملة، أو ما يسمى Modern Trade، بحثاً عن التنوع والرفاهية في التسوق تحت مظلة واحدة والحصول على أسعار منافسة، وهذا التوجه يستدعي وجود استثمارات كافية في هذا القطاع من أسواق ومجمعات تجارية ومراكز تسوق حديثة، تمكن المستثمرين من عرض أصنافهم في بيئة مناسبة وجذابة، وكذلك توفير البنية التحتية لخدمة الاستثمارات في هذا المجال، فضلاً على قدرتها على توفير التنوع في الخيارات أمام المستهلك. وحول جاذبية الاقتصاد السعودي، ذكر أن الاستقرار والنمو السكاني والعمراني مصحوب بنمو في القدرات الشرائية لدى المتسوقين، وأمور رئيسة تنظر إليها الشركات الأجنبية في أي بلد تريد الاستثمار فيه، وهي متحققة في المملكة، فضلاً على الخطط الطموحة التي تبنتها المملكة في «رؤية 2030» والتي تستهدف نقلة كبيرة جداً في مختلف الجوانب والقطاعات، والتي بحاجة إلى قطاع تجزئة قادر على توفير التنوع والجودة بالأسعار المناسبة. وأوضح أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد القحطاني، أن قطاع التجزئة من القطاعات المهمة في الاقتصاد، وحجمه في أي بلد كبير جداً، فهو يرتبط بحركة البيع والشراء داخل البلاد، لذلك يحوز اهتمام المستهلك والمستثمر في نفس الوقت، إضافة إلى توفيره لعدد كبير جداً من الوظائف التي تمتص نسباً عالية من البطالة. وأضاف أن قطاع التجزئة في السعودية الحالي لن يتأثر على المستويين القصير والمتوسط بانفتاح قطاع التجزئة لأسباب كثيرة: أن القطاع الحالي يستحوذ على كامل النسبة بآليات تعود عليها الناس وتحتاج إلى وقت لتغييرها، وأن الشركات التي ستدخل تحتاج إلى وقت حتى تنتشر في المدن، وكذلك هي بحاجة إلى توفير الأيدي العاملة المدربة، وتهيئة البنية التحتية لها، وغيرها. يذكر أن الهيئة العامة للاستثمار حددت في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي بدء استقبال طلبات الشركات العالمية لمزاولة نشاط تجارة الجملة والتجزئة لمنتجاتها في المملكة نسبة 100 في المئة، على أن يتضمن طلب الاستثمار عرضاً مفصلاً لخطط التصنيع المستقبلية وفق جداول زمنية محددة وبرنامج للتدريب والتوطين وسبل الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمستهلك. وسبقها إعلان أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الكلمة التي ألقاها خلال تشريفه حفلة عشاء منتدى الأعمال السعودي - الأميركي التي أقيمت في واشنطن بحضور عدد من رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين والأميركيين، أنه أصدر توجيهاته إلى الهيئة العامة للاستثمار ووزارتي التجارة والصناعة والعمل، بدرس كافة الأنظمة التجارية والاستثمارية، بغرض تسهيل عمل الشركات العالمية وتقديم الحوافز، بما فيها العمل المباشر في الأسواق السعودية، لمن يرغب منها في الاستثمار في المملكة، وتتضمن أبرز الضوابط والشروط: تعزيز التنافسية وخفض الأسعار، وتوفير منتجات عالمية ذات جودة عالية، وإدخال تقنيات البيع والعرض الحديثة، وخلق مزيد من الوظائف بأجور جيدة، وتوطين الصناعة المرتبطة بالمنتجات التي يتم بيعها للمستهلك مباشرة، وتنويع الاستثمارات والقاعدة الإنتاجية للاقتصاد السعودي، ورفع جودة شركات التجزئة المحلية، وتعزيز خدمات ما بعد البيع. القصبي:القرار يحقق «رؤية 2030» أكد وزير التجارة والاستثمار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي أن «قرار مجلس الوزراء الذي صدر أمس بالموافقة على فتح قطاع تجارة التجزئة والجملة بنسبة ملكية 100 في المئة جاء في سياق تحقيق رؤية المملكة 2030، والتنفيذ الفعال والسريع لمبادرات التحول الوطني 2020 المتعلقة بالاستثمار من خلال جذب تجار التجزئة الإقليميين والدوليين، وتخفيف القيود المتعلقة بالملكية والاستثمار الأجنبي»، معتبراً ذلك إصلاحاً اقتصادياً جيداً. وأشاد باعتماد مجلس الوزراء ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الضوابط والشروط اللازمة للترخيص للشركات الأجنبية في هذا القطاع، وبيّن أن المملكة تستهدف بهذا القرار الشركات العالمية الرائدة في قطاع تجارة التجزئة والجملة، التي تقدم عدد منها بطلب ترخيص استثماري من الهيئة العامة للاستثمار مع برامج تنفيذية لاستثماراتها في المملكة. وأكد القصبي أن الهيئة ستقدم كل الدعم اللازم والتسهيلات المطلوبة للشركات التي سترخص في هذا القطاع خدمة للأهداف المرجوة من القرار وبما يخدم الاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن الشروط والضوابط سيتم نشرها على الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستثمار، ومنها أن تكون الشركة عاملة في ثلاثة أسواق وبرأسمال لا يقل عن 30 مليون ريال عند التأسيس.