يظل التعليم أحد أهم المرتكزات التي يقوم عليها مشروع الإصلاح الذي تعيشه المملكة منذ سنوات، بجانب مجالات أخرى مثل الاقتصاد وتطوير القضاء ومكانة المرأة والشفافية في جميع أجهزة الدولة وقضايا حقوق الإنسان. التعليم العام والجامعي يمر بتغيير كمي ونوعي غير مسبوق في تاريخ المملكة، فهناك التوسع في إنشاء جامعات جديدة في مناطق متعددة، إضافة إلى دعم الجامعات القائمة وأكبر هدية قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز هي إنشاء جامعته للعلوم والتكنولوجيا على أسس علمية وأكاديمية، كما في الجامعات العالمية وقد تكون هذه الجامعة مركز إشعاع حضاري للمملكة ونواة تغيير للمجتمع في السنوات المقبلة، والأمل أن تدعم الجامعة قطار التغيير والإصلاح الاجتماعي والسياسي في الداخل، ولا تكون مثل بعض الجامعات التي تحصر وظيفتها بتخريج الطلبة إلى سوق العمل فقط. وما قام به بعض المتشددين من اعتراض من خلال زيارتهم لوزارة التربية والتعليم في الأسابيع الماضية بسبب قيام نائبة الوزير لزيارة إحدى المدارس الابتدائية يلخص لنا أزمة المجتمع الذي مررنا بها في السنوات الماضية، فمن حق الجميع إبداء مرئياتهم تجاه قضايا التعليم إلا أن ذلك لا يعني أن الآخرين ليس لهم حق في إبداء ومناقشة هذه القضية المهمة للجميع. يبدو أن بعض التيارات تريد أن تقف في وجه التقدم الذي يعيشه العالم ومن ضمنه مجتمعنا بسبب الثورة المعلوماتية وإفرازات «العولمة» الإيجابية. التعليم في دولنا هو مفتاح وأساس التغيير والإصلاح وقد يكون هذا مشروعاً بطيئاً نوعاً ما، ولكننا سنصل إلى الهدف المنشود ونُخرج أجيالاً تبني وتفكر بحرية مسؤولية وليس هو القتل والإرهاب في الداخل والخارج، ولكن مثل هؤلاء يكررون أساليبهم القديمة بادعاء ان مثل بعض المشاريع لتطوير التعليم فيها خروج عن الدين والقيم وهذا تجنٍ لأنهم لا يملكون التفسير الصحيح للإسلام بل يقدمون خطاباً دينياً متشدداً، فثقافة الحرام والتضييق على الناس هي ما يطرحونه، ولنكن منصفين فهناك بعض رجال الدين الذين يطرحون حلولاً ايجابية لمشكلات المجتمع، فبدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن آراء من البعض عن قضايا الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة ورياضة المرأة وغيرها من القضايا المهمة للمجتمع، ومن الأمثلة على ذلك الدكتور أحمد بن باز والشيخ أحمد قاسم الغامدي. على وزارة التربية والتعليم عدم التردد في مشروعها لإصلاح التعليم، إذ تردد ان بعض مسؤولي الوزارة قدموا التبريرات والاعتذار لهؤلاء بسبب ما قامت به نائبة الوزير، فهذا في اعتقادي حادث بسيط ولكن له دلالات مهمة، فنائبة الوزير وتعيينها في هذا المنصب هو آتٍ من السلطة السياسية في الدولة ويعبر عن إيمان القيادة بأهمية موضوع المرأة والدفع بها للمشاركة بالتنمية بالشكل الحقيقي وليس عزلها وإقصاءها، إضافة إلى ان أصحاب الفكر المتشدد سوف يعيدون زياراتهم واعتراضاتهم على كل خطوة تطورية للتعليم لدينا، فمشروع التعليم يجب ان يترك للمختصين في جميع المجالات، وأن يكون هناك سياسة تعليمية عصرية للأعوام المقبلة، وألا تكون عرضة للتبديل والترقيع بسبب الاعتراضات من أصحاب الفكر المتشدد، فهؤلاء اختطفوا التعليم لسنوات طويلة، وبالتالي قيدوا المجتمع في الماضي المظلم، وهم يعتقدون ان هذا المجال هو أرضهم ولا أحد يشاركهم فيه. أشار وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الرشيد في مقابلة مع صحيفة «الحياة» نُشرت أخيراً عن أساليب الإرهاب والضغط ضده، عندما كان في منصبه عند اتخاذه لأية خطوة لتطوير التعليم، وطرح قضية تعليم اللغة الانكليزية في مراحل تعليمية متقدمة، وكيف مارسوا هؤلاء الضغوط حتى نجحوا في إلغاء ذلك القرار بادعاء الخوف على اللغة العربية، إن الحسرة والألم التي تفوح من مقابلة الدكتور الرشيد يجب ان تكون درساً لنا جميعاً، إن التعليم ليس ملكاً وحكراً لأحد بل هو مسؤولية الجميع، خصوصاً المؤسسات الرسمية التي يجب أن تؤسس لمشروع إصلاحي حقيقي ينتج المفكرين والعلماء في جميع المجالات، كما في الدول المجاورة، وكما نحتفل بالعلماء والعالمات السعوديات في الجامعات الغربية، نأمل أن يأتي اليوم الذي يحدث فيه التميز في الداخل. [email protected]