لم يكن مفاجئاً أن يكون بين قتلى القصف على حي الشعار أمس، عدد من عناصر «القبعات البيض» الذين سارعوا لإسعاف المصابين وانتشال الجثث بعد سقوط الدفعة الأولى من «البراميل المتفجرة» على أحد أحياء حلب، ذلك أن عناصر «الدفاع المدني السوري» اعتادوا على تشييع زملاء لهم هبوا للبحث عن الحياة بين الركام فوقعوا ضحايا الجولة الثانية من «البراميل». وبدأت «مؤسسة الدفاع المدني» التي يُعرف عناصرها بأصحاب «القبعات البيض»، بمبادرات فردية في العام 2013 لإنقاذ مصابين وانتشال الجثث والأشلاء في مدينتي إدلب وحلب، لكن عدد أفرادها تجاوز الآن ثلاثة آلاف ينتشرون في ثماني محافظات سورية، وعقدوا قبل أيام مؤتمراً لتخطيط العمل للعام 2020. ويقول مدير «الدفاع المدني» رائد صالح إن عناصر هذه المؤسسة التطوعية «اختاروا طريق الحياة لصنع الأمل للسوريين». ووفق أرقام الأممالمتحدة وجمعيات حقوقية، أودى الصراع السوري خلال خمس سنوات بحياة حوالى 400 ألف شخص ودفع خمسة ملايين لاجئ الى دول الجوار وسبعة ملايين الى النزوح الداخلي وقذف بثلاثة ملايين طفل ليكونوا «جيلاً ضائعاً» من دون تعليم وأكثر من 13 مليوناً (من 18 مليوناً) الى حافة الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية. لكن آلاف السوريين (شباباً وصبايا) لبسوا «قبعات بيضاء» وامتلكت قلوبهم الشجاعة بحثاً عن الحياة داخل البلاد، فأنقذوا 50 ألفاً من الموت. وفي بلد غرق خلال خمس سنوات في الرعب والإحباط والقتل والموت، يتمسكون ب «الأخلاق والأمل ويبحثون عن الحياة بين الانقاض»، وفق أحد الأعضاء، الذي يقول إن زملاءه «يهرولون الى دمار غارات والقصف والحرائق، عندما يهرب الآخرون. نريد أن نقف مع الضحايا عندما يشيح العالم بوجهه عن أعظم كارثة إنسانية خلال نصف قرن». ولأنهم على أهبة الاستعداد الدائم للذهاب الى أي مكان يتعرض للقصف، فإنهم الأكثر عرضة للموت. وحضت رئيس «منظمة أطباء بلا حدود» جوان ليو بعد تعرض أحد المستشفيات التابعة للمنظمة في ريف إدلب على تحييد المؤسسات الطبية والإغاثية، قائلة إن «طبيب عدوي ليس عدوي. ومنقذ عدوي ليس عدوي»، أي ان مرتدي الخوذة البيض غير مقاتلي الخوذة الخضراء العسكرية. لكن واقع الحال غير ذلك. اذ قتل 120 من أصحاب «القبعات البيض» وجرح مئات آخرين كان آخرهم في حي الشعار بعد اسابيع من قتل خمسة في غارة، لم يعرف ما اذا كانت روسية أم سورية، على مركز «الدفاع المدني» في مدينة الأتارب في ريف حلب. وتقديراً ل «الدور المهم والشجاع» لثلاثة آلاف شخص، منحهم «المجلس الأطلسي» خلال مؤتمره السنوي في بولونيا «جائزة الحرية» تسلمها صالح نيابة عنهم. كما رشحت جمعيات سورية وأعضاء في الكونغرس الأميركي ومراكز أبحاث أصحاب «القبعات البيض» لنيل جائرة نوبل للسلام لهذا العام، إسوة بمنحها العام الماضي لرباعي الحوار التونسي «تكريماً للشعب التونسي وتتويجاً للمسار الصعب الذي اختاره من أجل الحرية والديموقراطية».