لم تمض أيام معدودة على إطلاق "آبل" جهاز "أي فون 4" حتى ظهرت فيه عيوب تكنولوجية في حين يُفترض انه متطوّر تقنياً. في البداية، استخفّت الشركة بالأمر، وحاولت التملّص من مسؤولياتها. وتحت ضغط الجمهور، أذعنت "آبل"، وأعلنت أنها ستصلح الخلل. ورأى بعضهم ان "آبل" ربما تسير نحو الميل الاحتكاري الذي طالما اتّهُمَت به "مايكروسوفت"! هل تؤشر المشاكل التقنية التي شكى منها جمهور "أي فون 4" iPhone4، الخليوي المتطوّر الذي أطلقته شركة "آبل" Apple قبل 3 أسابيع فباع ما يزيد على 1.7 ملايين جهازاً، على تحوّل عميق في "آبل"، وبصورة أدق غرقها تدريجياً في ممارسات ذات طابع إحتكاري؟ الاحتكار لا يأتي دوماً بقرار مسبق، ولا حتى بالنوايا الحسنة ولا السيئة. أحياناً، يمكن الوصول الى ذلك الوضع بصورة تدريجية الى حدّ كبير، وربما مع كثير من الإنكار الذي لا يتردد البعض في وصفه بدموع التماسيح! لنعد الى الموضوع عبر تفاصيله، مع تذكّر المثل الأميركي المشهور الذي يقول: "الشياطين تكمن في التفاصيل". قبل ان يكتمل شهر العسل بين جهاز "آي فون 4" والجمهور، حتى علت الصرخة من وجود عيوب تقنية في عمل ذلك الجهاز. بدا الأمر مقلقاً، خصوصاً ان شركة "آبل" اعتادت ان تستند الى صلابة أداء أجهزتها وقدرتها العالية على تحمّل الإعمال التي ترهق غيرها، بداية من كومبيوتر ال"ماك" بنسخه المتنوّعة، ومروراً بحواسيبها المحمولة من نوع "ماك" أيضاً، وعبوراً نحو "آي بود" و"آي فون" و..."آي باد". وإضافة الى قوة التحمّل والإداء الصلب، استطاعت "آبل" أيضاً أن تربط نفسها بصور مثل الحرية في الثقافة، وكسر هيمنة النظام الواحد على عالم الكومبيوتر، وإعطاء الجمهور اليد العليا في العلاقة مع التقنية وغيرها. وراهناً، يبدو ان هذه الصورة موشكة على التغيّر، لأسباب شتى. شكى الجمهور من أمور شتى في "آي فون4" الذي بدا فائق الاهتزاز، خصوصاً بالمقارنة مع ال"آي فون" الذي سبقه وحقق نجاحاً اسطورياً. ولاحظ البعض ان الجهاز، الذي شددت الشركة على رهافة تصميمه وأنه الخليوي الذكي الأكثر نحافة، يخفق في الاستمرار في الاتصال إذا كان في وضع مائل على احد جنبيه. وشكى الجمهور أكثر من ان وضعه في راحة اليد يؤدي الى شبه توقف عن استقبال المكالمات، خصوصاً إذا نام القسم السفلي الأيسر منه في الكف. ولاحظ البعض ان مستوى عمل تقنية "واي فاي" فيه مهتزاً تماماً، بحيث لا يلتقط تلك الموجات اللاسلكية إلا إذا كان في مسافة قريبة جداً من الجهاز الذي تبث منه موجات "واي فاي". والمعلوم ان تقنية "واي فاي" للإتصال لاسلكياً مع الإنترنت باتت شديدة الرواج، الى درجة ان "آي فون" راهن عليها في كثير من البرامج التي وُضعت فيه. وشكى الجمهور أيضاً من عدم وضوح الشاشة واهتزاز الصور فيها بصورة عشوائية. والمعلوم أن الشركة عمدت الى استخدام تقنية متطورة في شاشة "اي 4" (اسمها "رتينا ديسبلاي" Retina Display)، كما زادت من دقة وضوحها. ويبدو ان ذلك وضع أثقالاً على الجهاز، فلم يستطع مجاراة تلك الشاشة المُكوّنة من الكريستال السائل الفائق الحساسية، خصوصاً ان "أي فون4" يحتوي كاميرتين (في ما "آي فون" يضم كاميرا وحيدة)، تعمل إحداهما ككاميرا "ويب" لتوفير المكالمات المرئية عبر الانترنت. وأخفقت هذه الشاشة أيضاً في الإيفاء بما وعدت به. مسار متدحرج للإحتكار في ردٍ أظهر تعالياً غير مألوف، أعلن ستيف جوبز، العقل المدبر لشركة "آبل"، أن الجمهور لم يعرف كيف يستعمل "آي فون4"، وأنه يجب حمل الجهاز بطريقة يتلامس فيها الجلد مع القسم السفلي الأيسر من هذا الخليوي. والمعلوم ان الشركة توخّت ان يكون الجهاز فائق الرهافة، فجعلت من الإطار الخارجي جهازاً هوائياً، خصوصاً في قسمه السفلي الأيسر. ولم يعجب هذا الرد الجمهور والمهتمين. فكيف يمكن القبول بأن تملي الشركات على الناس حتى طريقة الامساك بالخليوي؟ وكيف يكون الجهاز عملانياً إذا كان لا يمسك باليد إلا بشكل محدد؟ الطريف ان ثمة موقع سارع الى نشر صورة لستيف جوبز يظهر فيها في إعلان ترويجي عن "أي فون4" وقد أمسك بالجهاز بالطريقة التي قال لاحقاً ان الجمهور يجب ان يتجنّبها! وتبيّن أيضاً ان العلاقة المهتزّة بين "آبل" وشركة "أدوبي" Adope(تصنع برنامج "أكروبات ريدر" Acrobat Reader الشهير)، ليست على مايرام، ما جعل برنامج قراءة ملفات "بي دي أف" في "آي فون4" مهتزّة أيضاً! دفع الإحباط البعض الى رفع سقف الاحتجاج. وظهر من قال أن "أي فون 4" يضم برنامجاً يتولى تحديد الأوقات التي يستطيع المستخدم فيها ان يتصل مع الإنترنت، ما يُفقد الجمهور القدرة على التحكّم في إتصاله مع تلك الشبكة. إذا صح الأمر، فسيكون تناقضاً صارخاً في ممارسات الشركة، لأن نجاح "آي فون" ارتكز الى الثورة التي أحدثها بأن نقل معظم السيطرة على مسار الاتصالات الى الجمهور! لم يتردد البعض في مقارنة أمر العيوب التقنية في "آي فون 4" مع العيوب المتكررة في نُظُم "ويندوز" التي تنتجها شركة مايكروسوفت. والحق ان اهتزاز نُظُم "ويندوز" شكّل مأخذاً استفادت منه شركات كثيرة، في مقدمتها "آبل"! ولا يخل من دلالة ان تسير "آبل" في مسار يذكّر بمايكروسوفت، في الوقت الذي أعلنت فيه "آبل" أن قيمتها سوقياً (= مجمل قيمة اسهمها) فاقت مايكروسوفت بقرابة 3 بلايين دولار. اقتربت "آبل" كثيراً من حجم الشركات العملاقة، بل فاقت أكثرها ضخامة، في الوقت الذي ظهرت فيه عيوبها التقنية الأولى، وعانت أيضاً من اهتزاز أول في العلاقة مع الجمهور. هل يندرج هذا في مسار الصدفة، أم أنه مسار الشركات العملاقة التي ما زالت تستعمل التقنية سلاحاً اقتصادياً "منفلتاً"، بمعنى ان حضور الجمهور ومصالحه ودوله وهواجسه، ما زال ضئيل الصوت في عالم المعلوماتية والاتصالات المتطورة؟ ليس سؤالاً سهلاً. والارجح انه يحتاج الى نقاشات طويلة.