إن شئت أن تنظر إلى أعجب ما خلق الله في السماء والأرض فتأمل قول من لا ينطق عن الهوى، «عن طلحة بن عبيد الله – رضي الله عنه – أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوّع شيئاً»، فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال: «شهر رمضان إلا أن تطوّع شيئاً»، فقال: أخبرني ما فرض الله عليّ من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك بالحق، لا أتطوّع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق»، رواه البخاري ومسلم. لعلك لن تجد أعجب ولا أروع ولا أدق ولا أجمل من قلب الإنسان «أفلح إن صدق»، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به: صدق القلب بالإيمان تحقيقاً، وصدق النية في الأعمال، وصدق اللفظ في الكلام، والقلب لا يكذب أبداً واللسان لا يصدق إلا قليلاً، القلب هو مدار الحياة وموطن الإيمان ومأوى المعتقد وليس الإنسان جسماً بعضه القلب، ولكنه قلبٌ غلافه الجسم، يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، رواه البخاري ومسلم. القلب مركز العاطفة والقوة الدافعة المحركة، والرأس مركز العقل، وما العقل لولا العاطفة؟! من وجد كل شيء وفقد قلبه خسر كل شيء، ومن خسر كل شيء ووجد قلبه فما خسر شيئاً، وهل يُعمق أساس الإيمان وتوطد أركانه وتغرس جذوره إلا في القلب؟! «الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل»، نعم «أفلح إن صدق»، ويكفي القلب شرفاً ومنزلة ورفعة أنه محل نظر الرب ورضا الخالق عز وجل في الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، صحيح الجامع... إن الإيمان الصادق هو الذي ميز ذلك المجتمع الفريد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم. أتدرون أين تذهب الشمس؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه رضوان الله عليهم: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة. ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش. فيقال لها ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». فالحياة حلم قصير (والآخرة خيرٌ وأبقى) - الآية، ولن يرقى أي مجتمع وينتظم ويسعد إلا بوجود تلك القلوب الحية اليقظة المستضيئة بهدي الحبيب «صلى الله عليه وسلم»، فلنتدارك قلوبنا بإصلاحها! [email protected]