بعيداً عن الحجج العاطفية، ناقش أشهر علماء العقائد السعوديين الدكتور ناصر العقل، التُّهم الموجهة ضد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن ثم الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، التي ناصرت الدعوة وارتضتها فكرياً، عبر ثلاثة قرون.وتناول العقل، في بحث خصصه لهذه القضية حمل عنوان «إسلامية لا وهابية»، حجج وبراهين الخصوم منذ انطلاق الدعوة قي القرن الثاني عشر الهجري، إلى القضايا المطروحة في العصر الحديث، ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر، من مثل اتهام الفقهاء الوارثين للدعوة السلفية بالتحجر والانغلاق، والانحياز ضد قضايا المرأة والحداثة، ناهيك عما يساق ضد الدولة الراعية لأولئك الفقهاء، وشرّعت قوانين مستندة إلى الشريعة. إلا أن أكثر القضايا الفكرية دقة بين ما تناوله البحث «المثير»، كان محاولة العقل إثبات أن الدعوة السلفية (الوهابية) ليست مذهباً خامساً يضاف إلى المذاهب الأربعة السنية المعروفة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية)، وهذا وإن كان مفروغاً منه بالنسبة إلى الباحثين السعوديين وكثير من العرب، إلا أن ما قد يكون جديداً حتى على الباحثين السعوديين فضلاً عن غيرهم، هو محاولة الكاتب إثبات أيضاً أن المملكة العربية السعودية، ليس لها مذهب، وإنما تستمد تشريعاتها من الكتاب والسنة فقط. وهي فكرة تعني بكل بساطة أن السعودية ليست ملزمة إلا بالنص القرآني، وصحيح السنة، وما فهمه الصحابة والتابعون من المصدرين، فلا هي ملزمة باختيارات شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، ولا باختيارات أي من المذاهب الأربعة السنية، على رغم أن المشاع حتى بين طلبة العلم أن المذهب الفقهي الرسمي للدولة «حنبلي»، والعقدي «سلفي». وإذا كان هذا القول مجرد ادعاء، فبأي شيء دافع عنه الكاتب الدكتور ناصر العقل، في بحث لشدة أهميته، أعادت وزارة الشؤون الإسلامية طباعته أخيراً وتوزيعه على نفقتها؟ في سياق دعاوى الخصوم لمحاولة تشويه الدعوة كما يرى الكاتب، اتهموها بتهم كثيرة، ناقشها الكاتب، إلا أننا في هذا التقرير نكتفي بواحدة منها، ادعت أن ما يسمونه الوهابية «مذهب خامس». في ما يتعلق بالشبهة الأولى يقول الكاتب العقل: «ساد عند كثير من خصوم الدعوة والجاهلين بحقيقتها أن الإمام محمد بن عبدالوهاب جاء بمذهب خامس أي أنه خرج عن مذاهب أهل السنة الأربعة ويقصدون بذلك التعريض بل والتصريح بأنه جاء بمذهب مبتدع في الدين. هذه الفرية لا يقولها إلا جاهل أو مغرض لأنه واقع الحال أن الامام محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة صرحوا بأنهم على مذهب الإمام أحمد في الفروع، ويحترمون المذاهب الثلاثة الباقية الحنفي والمالكي والشافعي، بل كثيراً ما يرجحون غير قول الحنابلة إذا كان الدليل مع أحد المذاهب الأخرى.هذا من حيث الفروع والاجتهادات. أما في العقيدة وأصول الدين فإنهم – أعني الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه – هم السائرون على منهج الأئمة الأربعة وعقيدتهم تطابق ما كانوا عليه، لأنها السنة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون والسلف الصالح. وقد بينت هذا في عرض عقيدة الإمام وأتباعه، وعلى ذلك فيعلم بالضرورة أنهم أولى بالأئمة الأربعة وسائر السلف الصالح، ومن التكلف وتحصيل الحاصل طلب إثبات ذلك». وأضاف: «إذاً، فالإمام محمد بن عبدالوهاب متبع لا مبتدع، وخصومه الذين لم يقبلوا ما دعا إليه من الحق والسنة، وترك البدع والمحدثات هم الذين على غير المذاهب الأربعة وعلى غير نهج السلف الصالح وهذه حقيقة لا مراء فيها لمن عدل وأنصف واستقرأ الحال. فهذه دعوة الإمام وكتبه ورسائله وواقع حاله يشهد بذلك، وكذلك واقع علماء الدعوة وأتباعها إلى اليوم يشهد بذلك.فهم في العقيدة والأصول على مذهب السلف بما فيهم الأئمة الأربعة وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. فلماذا يصنع لهم الخصوم الأوهام والمفتريات»؟ وتابع: «لذلك لما زعم خصوم الإمام محمد بن عبدالوهاب وذكروا عنه بعض المفتريات التي منها: أنه جاء بمذهب خامس وأنه أبطل المذاهب الأربعة. أنكر ذلك ونفاه وقال: «سبحانك هذا بهتان عظيم». وأكد التزامه بما عليه الأئمة الأربعة فقال مخاطباً عامة المسلمين مفنداً المزاعم التي أثارها أهل البدع ضده: «عقيدتي وديني الذي أدين به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة»، وكذلك قال للسويدي: «أخبرك أني ولله الحمد متبع ولست مبتدع...» ثم ذكر الكلام السابق».ثم قال مبيناً السبب في إثارة هذه المفتريات من قبل خصوم الدعوة: «ولبّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس وكبرت الفتنة جداً وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله». ومع أن العقل أقر بأن أئمة الدعوة السلفية يغلبون أحياناً المذهب الحنبلي (ص 278)، إلا أنه في الصفحة نفسه يسجل أن النظام الأساسي للحكم في السعودية، جاء أشمل. «من دون ارتباط بمذهب أو شعار أو حزب». وساق موادّ من النظام الأساسي للحكم التي وضع العناوين العريضة لنهج المملكة في الحكم، إلا أنه خلاف أنظمة ودساتير الحكم في بلاد عربية شتى، لم يختر واضعوه تقييد أنفسهم بأي مذهب فقهي، على رغم ما ذهب إليه الكاتب من أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومن جاء بعده من الفقهاء السعوديين يغلّبون المذهب الحنبلي أحياناً. أما مواد النظام الأساسي للحكم التي كانت شاملة، وأهملت تحديد مذهب بعينه من المذاهب الأربعة، فكان أبرزها بحسب اختيار الكاتب «المادة الأولى: المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية. وعاصمتها مدينة الرياض. السادسة: يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره. السابعة: يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة. الخامسة والأربعون: مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الثامنة والأربعون: تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة».