لطالما تميزت الكرة الهولندية باللعب الاستعراضي وامتعت العالم بأسره في السبعينات من خلال منتخبها الوطني الذي بلغ نهائيات كأس العالم عامي 1974 و1978 أو ناديها الشهير اياكس امستردام الذي اعتلى عرش الكرة الأوروبية ثلاث سنوات متتالية (1971 و1972 و1973) بفضل لاعبين أفذاذ يقودهم الطائر يوهان كرويف وروبي ريسينبريك ورود كرول واري هان وغيرهم. وكانت هولندا وتحديداً مدربها الشهير الراحل رينوس ميكلز صاحب الفضل في تعريف العالم على أسلوب الكرة الشاملة المبنية على قيام جميع اللاعبين بالهجوم عندما تكون الكرة في حوزتهم، والدفاع عندما تكون الكرة في حوزة الخصم، لكن هذه الخطة لم تنجح في منح البلاد المنخفضة اللقب العالمي، إذ سقط على أعتاب المباراة النهائية مرتين أمام الدولة المضيفة عام 1974 في ألمانياالغربية 1-2، وعام 1978 أمام الأرجنتين 1-3 بعد التمديد، بيد أن ميكلز نجح في قيادة المنتخب «البرتقالي» إلى اللقب الأوروبي عام 1988 معوضاً إخفاقَي العرس الكروي. بيد أن الأسلوب الذي يقدمه المنتخب الهولندي حالياً بقيادة مدربه البراغماتي بيرت فان مارفييك مختلف تماماً عن أسلوب الكرة الشاملة، لأن الفريق أصبح أكثر براغماتية بعد أن دفع ثمن ذلك في بطولات كبيرة أخيراً وأبرز دليل على ذلك كأس أوروبا 2008 بقيادة مدربه ونجمه السابق ماركو فان باستن، إذ تعملق على حساب فرنسا 4-1 وإيطاليا 3-صفر ورومانيا 2-صفر قبل أن يسقط أمام روسيا (بقيادة هولندي آخر هو غوس هيدينك) في ربع النهائي 1-3 بعد التمديد. أما في المونديال الحالي، فإن المنتخب الهولندي يبرع بنظامه وانضباطه داخل الملعب أكثر من اعتماده على الكرة الجميلة والاستعراضية، وأعطت هذه الخطة ثمارها أقله حتى الآن. ويلخص المدرب فان مارفييك أسلوب فريقه بالقول: «يتعين على اللاعبين أن يفهموا أمراً واحداً فحواه أن الفوز هو الأهم». ربما اكتسب فان مارفييك روح الانضباط من الكرة الألمانية، إذ أشرف على تدريب بوروسيا دورتموند ويحاول أن يلقنها للاعبيه الحاليين. ولم يدخل مرمى هولندا منذ بداية البطولة سوى هدفين من ركلتي جزاء، علماً بأن النقاد المحليين كانوا اعتبروا أن خط الدفاع هو نقطة الضعف في المنتخب الهولندي قبل انطلاق العرس الكروي. ويدافع فان مارفييك عن خط دفاعه بالقول: «لم يدخل مرمانا سوى هدفين كانا من ركلتي جزاء ضد الكاميرون وسلوفاكيا، وبالتالي فخط دفاعي ليس سيئاً كما يروّجون». وكان لسان حال اللاعبين مماثلاً، ويقول الجناح الهولندي السريع اريين روبن: «المباراة التي خسرناها أمام روسيا 1-3 في كأس أوروبا 2008 كانت نقطة تحول بالنسبة إلينا، لا شك أننا كنا أقوى بكثير من المنتخب الروسي، لكن من الناحية التكتيكية كنا ساذجين، هذا الأمر لن يتكرر في المستقبل». وأضاف: «الناس وأنصار المنتخب ينتظرون منا أن نقدم استعراضاً في الملعب، لكن هذا الأمر أصبح من الماضي، لأن الأولوية بالنسبة إلينا هي النتيجة». أما نجم ليفربول الإنكليزي ديرك كاوت فيلخص العقلية السائدة في أوساط منتخب بلاده بالقول: «صحيح أن الجمهور يريد أن يشاهد مهرجاناً من الأهداف وعرضاً كروياً ممتعاً في كل مباراة، لكن إذا خيرت بين الفوز بالنقاط واللعب الجميل، فإنني سأختار النقاط في كل مرة». وحتى الآن وبفضل هذه الفلسفة الجديدة، نجح المنتخب الهولندي في تحقيق أربعة انتصارات في أربع مباريات خاضها حتى الآن، لكن المنتخب البرازيلي بطل كأس العالم خمس مرات سيكون العقبة التالية في طريقه يوم الجمعة المقبل، فهل يستمر في النسج على هذا المنوال؟