تطرح وزيرة الاقتصاد السورية لمياء عاصي «رؤية» من أربعة عناصر تتضمن تشجيع رواد الأعمال الشباب على الشروع في مبادراتهم ومشاريعهم الخاصة، مع ضمان جودة المنتجات المحلية والمستوردة، بالتزامن مع تعزيز «التكامل» مع الدول المجاورة و «الشراكة» مع التكتلات الإقليمية و «الاندماج» في الاقتصاد العالمي. وقالت عاصي في حديث الى «الحياة» ان خفض رأس مال الشركات من 60 ألف دولار إلى 20 ألفاً ل «الشركات المحدودة المسؤولية» والى 6 آلاف دولار بالنسبة إلى «المتضامنين»، رفع عدد المسجل من الشركات من 40 إلى 80 شهرياً بالتوازي مع تشجيع الرواد الشباب على إنشاء مشاريعهم الخاصة من دون الحاجة إلى تملك عقارات تجارية، على أساس السماح، لمن يريد العمل في أعمال فكرية وخدماتية وفق معايير معينة، بترخيص أعمالهم في عقارات مخصصة للسكن. ويسمح مشروع قانون الشركات الجديد، بتأسيس شركات فردية محدودة المسؤولية ل «تشجيع رواد الشركات الصغيرة والمتوسطة وتنشيط سوق العمل وخلق حركة اقتصادية في البلاد». وكان الرئيس السوري بشار الأسد عين في شباط (فبراير) الماضي عاصي، التي كانت سفيرة لسورية في ماليزيا منذ سنوات، وزيرة للاقتصاد خلفاً لعامر لطفي الذي اصبح رئيساً لهيئة تخطيط الدولة. ويتعلق «الركن» الثاني في «رؤية» وزيرة الاقتصاد، التي تبلورت عملياً في الشهور الستة الماضية بتأمين «معايير لضبط الجودة» تهدف إلى ضمان دخول بضائع مستوردة وفق المواصفات والمعايير الدولية والسورية وضمان جودة عالية للمنتجات الوطنية المخصصة للاستهلاك المحلي والتصدير. وأوضحت: «يجب عدم السماح بتصدير أي مواد لا تلبي المعايير حرصاً على سمعة المنتج السوري». وسيتم هذا عبر وضع أسس بالتعاون بين «اتحاد المصدرين» و «هيئة تنمية الصادرات» الحكومية. وفي هذا، تعمل عاصي على تكثيف جهود حماية المستهلك برفع كفاءة العناصر المكلفة ضبط المخالفات ورفع أدائها و «تشجيع» الناس على تأسيس جمعيات متخصصة بحماية المستهلك، بعدما لاحظت لدى عودتها من ماليزيا عدم وجود سوى أربع جمعيات. وقالت: «نريد نشر ثقافة حماية المستهلك وتنشيط القطاع الأهلي في هذا المجال». وترى عاصي أن دور المجتمع الأهلي سيكون من ضمن إطارين: الأول، رفع وعي المستهلك تجاه المواصفات والأسعار والفواتير النظامية ليحصل على حقوقه كاملة، ما يؤدي إلى رفع كفاية الصناعات المحلية والمستوردة، خصوصاً أن المنافسة موجودة بفضل تحرير التجارة. الثاني، ضبط حالات الغش ورفعها إلى الجهات المختصة وتفعيل مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد. وتطرح عاصي على الصعيد الاقتصادي الخارجي، ضرورة استمرار سورية في «الاندماج» بالاقتصاد العالمي و «التكامل» مع الجوار الإقليمي أولاً سواء مع الدول العربية أو المجاورة. وأوضحت: أن «الشراكة مع تركيا مهمة جداً في هذا المجال حيث تربطنا اتفاقية تجارة حرة، ومع إيران، حيث اتفقنا على أن تدخل اتفاقية السلع التفضيلية في التنفيذ بداية الشهر المقبل (غداً)». وزادت: «اتفقنا مع إيران على توسيع حيز شراكتنا الاقتصادية بالبدء في وضع قوائم سلع تفضيلية ثم بالانتقال إلى التجارة الحرة» التي تبدأ المفاوضات تجاهها قريباً. ويمكن وضع تطوير العلاقات الاقتصادية بين سورية ومصر من ضمن سياق «التكامل الإقليمي» باعتبار أن قيمة التبادل التجاري تبلغ نحو 1.4 بليون دولار سنوياً. وقالت عاصي إنها اتفقت مع وزير التجارة المصري رشيد محمد الرشيد على رفع قيمة التبادل إلى ثلاثة بلايين سنوياً «على الأقل لأن حجم الإمكانات كبير»، مشيرة إلى أن اجتماعات اللجنة المشتركة أسفرت عن الاتفاق على بدء مفاوضات لإقامة «جدار جمركي موحد» عبر توحيد التعريفة الجمركية تجاه العالم وإجراءات جمركية موحدة «ما يسهل تدفق السلع بين البلدين وحمايتهما من الممارسات الضارة» من أطراف اقتصادية أخرى. وقالت إن سورية ومصر بدأتا إجراءات تأسيس مصرف مشترك برأس مال قدره 220 مليون دولار، يساهم «بنك مصر» الحكومي بنسبة 60 في المئة على ان يساهم القطاع الخاص في البلدين بالنسبة الباقية. وأبدت «التأييد الكامل» للاتفاق الذي عقد بين شركة «سوديك» المصرية و «بالميرا» السورية وتضمن قيام الأولى بدفع نحو 40 مليون دولار لشراء نصف قيمة «بالميرا» ورفع رأس مالها للدخول في استثمارات عقارية جديدة في مصر. وقالت عاصي : «عالم اليوم، عالم التكتلات والاندماجات، ولا بد من شراكات استراتيجية، نحن نشجعها بين القطاع الخاص مع الدول العربية والمجاورة». ووضعت وزيرة الاقتصاد السورية دخول بلادها بصفة «مراقب» في منظمة التجارة العالمية في ايار (مايو) الماضي، من ضمن الاندماج في الاقتصاد العالمي مع الإعراب عن «التقدير لدور مصر الحيوي» في دعم الطلب السوري الذي بدأ في 2001. وأوضحت عاصي أنها ستقدم بيان الانضمام إلى المنظمة في جنيف نهاية الشهر المقبل، على أن تقدم «مذكرة سياسة التجارة الخارجية» قبل نهاية السنة، بحيث تشكل سورية الفريق التفاوضي لإجراء جولات تفاوضية ل «تكون عنصراً فاعلاً في الفضاء الدولي» الذي يضم 153 دولة في منظمة التجارة. وقالت: «ضروري أن نكون جزءاً من هذا الفضاء، إضافة إلى أن المنظمة هي التي تنظم التجارة في العالم وقراراتها ملزمة سواء كنا أعضاء أو لا». وأشارت إلى أن توقيت الانضمام كان مناسباً لأننا قمنا «في السنوات العشر الماضية بإصلاحات كبيرة، سهلت علينا الانضمام وخفضت تكلفته وخففت من الآثار السلبية». ولا يخرج مسعى دمشق لتطوير علاقاتها مع دول اميركا اللاتينية عن سياق «الرؤية» المتوازية مع «استشراف» زيادة دور دول مثل البرازيل في الاقتصاد العالمي. وقالت عاصي إن عالم اليوم يتميز بدور للتكتلات الإقليمية الاقتصادية مع تلاشي التقسيم السابق المتعلق بوجود كتلتين اقتصاديتين رئيستين هما أميركا وأوروبا كأسواق رئيسة يجب على كل الدول أن تصدر لها، مشيرة إلى أن «المعادلة تغيرت، فهناك قوى صاعدة» في إشارة إلى مجموعة «آسيان» و «ميركوسور» التي تضم البرازيل والأرجنتين والبارغواي. وأوضحت عاصي أن هناك مقترحات للاتفاق على قوائم سلع تفضيلية مع مجموعة «ميركوسور» لتطوير العلاقات التجارية. وفي هذا السياق، كانت عاصي ناقشت خلال زيارتها موسكو في نيسان (ابريل) الماضي تفعيل طلب سورية لإقامة تجارة حرة مع الاتحاد الجمركي بين روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان، قبل زيارة الرئيس ديمتري ميدفيدف دمشق في أيار الماضي.