أعمال تطبيقية وامتحانات متتالية ووقت ضيق، ضغط نفسي ومنافسة شديدة وطلبات لا تنتهي من الأساتذة، هذه حال كثيرين من الطلاب الجامعيين في موسم الامتحانات قبل انتهاء الفصل الجامعي بعد أسابيع قليلة، فكيف الحال إن أضيفت إلى ما سبق مسؤوليات العمل والدوام وواجباته؟ رحيل التي تعمل في إحدى المؤسسات، بالإضافة إلى دراستها العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، تنقل خبرتها في هذا الشأن، فضيق الوقت يجبرها على الدراسة قبل يوم أو يومين من موعد الامتحان أو حتى في السيارة حين ذهابها إلى الجامعة يوم الامتحان، وصحيح أن الطلاب المتفرغين للدراسة يحصلون نتائج أفضل في الامتحانات «إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنهم فهموا واستوعبوا مضمون المادة الجامعية على نحو صحيح»، تقول. وفي المقابل يحصل بعض الطلاب الذين لا يلتزمون دائماً حضور محاضراتهم الجامعية على درجات أفضل من أقرانهم الملتزمين، فللامتحانات حيلها المشروعة، إذ يركز الطالب دراسته قبل الامتحان على الأجزاء التي أعلن أستاذ المادة عن أهميتها ومحوريتها، لكن في النهاية، وفق رحيل، يبدو الإلتزام بالدوام في الجامعة ضرورياً لاستيعاب منهجية الأستاذ الذي يعلم المادة وتعلم ما هو ضروري لفهمها. المؤسف من وجهة نظر سامي أبو زيد الذي يجمع أيضاً بين الدراسة الجامعية والعمل في أحد مطاعم جونية أن فترة الامتحانات في نهاية الفصل الأول تتزامن مع أعياد الميلاد ورأس السنة بينما تترافق امتحانات الفصل الثاني مع فصل الربيع وعودة النشاطات البحرية بعد شتاء طويل. ويقول أبو زيد: «أعد نفسي كل مرة خلال فترة الامتحانات أنني سأبدأ من الآن وصاعداً التحضير والدراسة قبل وقت كافٍ، لكنني أقع في فخ ضيق الوقت ومغريات الحياة الاجتماعية التي تزيد الطين بلة». تعامل أرباب العمل والمديرين مع موظفيهم وعمالهم من الطلبة الجامعيين يختلف وفق اختلاف الأشخاص، وللطلاب المعنيين هنا روايات وأخبار متنوعة. فمن المديرين من يعتبر واجبات العمل مقدسة ويجب الحفاظ عليها تحت أي ظرف، وبعضهم يقدر الضغط الذي يعانيه الطلاب فيتسامح مع تراجع التزامهم بأعمالهم، أما البعض الآخر فقد يلجأ إلى منح موظفيه الطلبة إجازات في فترة الامتحانات لتجنب هذه المشكلة وإتاحة الفرصة للطلاب كي يتفرغوا لتحصيلهم العلمي ولو لفترة وجيزة. يشير بعض الطلاب إلى عوامل أخرى تؤثر في هذا الوضع الذي يختبرونه عن قرب، فالجامعات اللبنانية التي لها شأنها الأكاديمي على صعيد البلدان العربية لا تكتفي فقط بالامتحانات الاعتيادية لطلابها، بل ترفقها أيضاً بأعمال تطبيقية تسلم في نهاية الفصل الدراسي وربما بعروض تقديمية توضح مدى تقدم الطالب العلمي وحسن معرفته بما تعلم، وهذه الأمور المجتمعة تزيد هموم ومسؤوليات الطلاب وتجعل من وقتهم أضيق فأضيق. ليست الأسباب المادية دائماً هي الدافع وراء العمل إلى جانب الدراسة بخلاف ما يعتقده البعض للوهلة الأولى، إذ تخبر الشابة رنا قصاب التي تعمل حالياً بعد تخرجها معلمة للغة الإنكليزية في معهد خاص أن اصرارها على العمل إلى جانب دراستها الجامعية لم يكن لأسباب مادية، وتقول إن والدها نصحها بالتفرغ للدراسة على أن يتكفل هو بمصاريفها، لكن دافع اصرار قصاب على العمل هو ضرورة ارفاق الدراسة الجامعية بالخبرة العملية الضرورية لاحقاً لخوض غمار سوق العمل حيث المنافسة شديدة، فبدل أن تضطر للقبول بوظيفة عادية أو متواضعة عقب تخرجها بسبب نقص خبرتها، نجحت في متابعة دراستها ونيل درجات جيدة بالإضافة إلى عملها وتكوينها لخبرة تعليمية وتطبيقية. ووفق خريجة الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية، فإن بعض الأساتذة كانوا متفهمين لوضعها، بخاصة بعد أن قدمت لهم ورقة رسمية من إدارة المدرسة التي كانت تعمل فيها، لكن أساتذة آخرين كانوا لا يتهاونون على رغم ذلك في ما يرونه ضعف التزام بالضرورات والمعايير الأكاديمية. وتتحدث رنا عن تجربتها بفخر واعتزاز فهي كسبت الرهان واعترف والدها بحسن خيارها وبنجاحها الجامعي والعملي، كما أنها تؤمن بأن الشباب هو وقت الجد والبذل «إن لم نتعب الآن كشباب، فمتى؟». في المقلب الآخر تطرح الدكتورة رولا تلحوق رأياً يبدو غير مألوف، لكنه يأتي بعد سنوات طويلة من التحصيل الجامعي والعمل البحثي والأكاديمي، فهي تشرح أن الطلاب الذين يعملون إلى جانب دراستهم عادة ما يقدمون على رغم ضيق وقتهم أداء أفضل من زملائهم المتفرغين للدراسة، وتشير إلى دراسات متعددة تتكلم عن أن الشخص الذي يتحمل المسؤوليات المتعددة ويملك الخبرة العملية يستطيع أن يدرس بطريقة أفضل وأكثر عملية وإفادة، بينما قد يقع الطلاب الذين يكونون متحررين من مسؤوليات عملية أخرى إلى جانب الدراسة في فخ البقاء ضمن الجانب النظري للدراسة والتحصيل العلمي، وتعتبر تلحوق أن الربط المباشر بين ما هو عملي وما هو نظري أمر أساسي ولا بد منه في الدراسة الجامعية الجدية. يختصر الشاب مارك الطالب في جامعة الروح القدس الكسليك القضية بالتالي: «كانت الثانوية العامة أمراً عظيماً في أيام أهلنا، بينما الماستر اليوم شهادة شبه عادية، وكانت السينما بالنسبة اليهم أمراً مبهجاً وخارجاً عن المألوف في حين يمتلئ عصرنا بكل المغريات الاستهلاكية وأسباب التسلية، وسنوات شبابنا لن تعود. لذا يبدو من الأفضل أن نوازن بين الأمور فلا نندم لاحقاً على تقصيرنا الجامعي، ولا نتقدم في العمر شاعرين أننا لم نعش أيام الشباب كما يجب».