روت الأخبار أن هناك نحو مئة منظمة في العالم انخرطت في حملة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، وأن هذه الحملة تلاقي نجاحاً في شكل خاص في الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث تقاطعها اليوم مئة جامعة. ويقول د. متان كوهن، الذي يدير حملة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية في مختلف دول العالم، في تصريح نشرته «الشرق الأوسط» يوم 15/6/2010، «إن السبب في تنظيم هذه الحملة هو أن جرائم الحرب التي ترتكبها حكومات إسرائيل المتعاقبة ضد الفلسطينيين، تحتاج إلى ردع قوي في العالم، وليس أفضل من نشاط إسرائيلي مكشوف لمكافحتها». وأضاف: «إنَّ الوزير الإسرائيلي الذي يشارك في حكومة جرائم حرب، هو فاقد للشرعية، والجامعة التي تتعامل مع إسرائيل كما لو أنها معادية، فاقدة للشرعية هي الأخرى». والواقع أن هذا التصريح الجريء من مثقف أكاديمي إسرائيلي، وفي هذا الوقت بالذات، ينطوي على دلالات بالغة الأهمية؛ فللمرة الأولى نسمع هذه الأصوات الإسرائيلية، تندد بهذه القوة والصراحة والوضوح، بجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويسعى أصحابها بهذا الجهد الحثيث، لتجنيد الرأي العام العالمي، على مستوى المؤسسات الجامعية والأكاديمية، لمقاطعة إسرائيل. وهؤلاء الذين يقفون وراء هذه الحملة اليوم يختلفون في منطلقاتهم وأهدافهم والأساليب التي يستخدمونها، عن جماعة «السلام الآن» اليسارية التي تصنف ضمن «الجماعات غير واضحة المعالم»، لأن مواقفها تكون، في غالب الأحيان، غامضة غير مفهومة بالقدر اللازم. أما هذه المجموعة من المثقفين الإسرائيليين اليهود التي بادرت إلى توسيع حملة المقاطعة العالمية لإسرائيل، من أجل الضغط عليها لتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين وتجنح الى السلام معهم وتوقف كل أنواع العنف والاضطهاد لهم، فهي تشكل ظاهرة جديدة بكل المقاييس في المجتمع الإسرائيلي؛ لأن التوجّه إلى جامعات العالم، وهي مصانع العقول النيّرة ومحاضن أجيال المستقبل للضغط على إسرائيل ومقاطعتها، يعدّ في الحقيقة تطوراً نوعياً غير مسبوق في رفض السياسة العدوانية المنتهكة للقوانين الدولية التي تنهجها الدولة العبرية. إن مقاطعة الجامعات في العالم للجامعات الإسرائيلية، تؤكد بما لا شك فيه، أن الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل أخذت تؤتي أكلها، وأن محاصرة إسرائيل على هذا المستوى الجامعي والأكاديمي عالمياً، هي البداية لمحاصرتها سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً، إذا ما تواصلت هذه الحملة ووسعت من دائرتها بحيث تشمل مؤسسات وهيئات أخرى إضافة إلى الجامعات. وجاء الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية في عرض البحر الأبيض المتوسط، الذي أسفر عن سقوط شهداء من المواطنين الأتراك وجرحى من جنسيات متعددة، ليزيد من حدّة انتقاد إسرائيل وعزلها دولياً. ويبقى أن تتحرك المؤسسات الرسمية والمنظمات الأهلية، والجامعات والهيئات العلمية والثقافية والإعلامية والأكاديمية في العالم الإسلامي، لممارسة الضغط على إسرائيل بشتى الأساليب، ولكسب تأييد المزيد من الدعم في دول العالم قاطبة، للأهداف التي تعمل لها هذه الحملة العادلة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، في هذه المرحلة والذي لا بد من طرحه في هذا السياق، هو: إذا كانت مئة جامعة أميركية وجامعات بريطانية وأوروبية أخرى، قد أعلنت مقاطعتها لإسرائيل، بسبب من الجرائم التي ترتكبها حكومتها ضد المواطنين الفلسطينيين، فماذا عن جامعات أخرى من العالم العربي الإسلامي ومنها جامعات تركية، لا تزال ترتبط بعلاقات تعاون مع الجامعات الإسرائيلية؟ فلماذا لا تبادر هذه الجامعات إلى التضامن مع جامعات العالم في مقاطعتها اسرائيل؟ وبصفتي أميناً عاماً لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، الذي يعمل في إطار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو، أستطيع أن أؤكد أنه لا توجد جامعة واحدة تنضوي تحت لواء هذا الاتحاد، تقيم علاقات تعاون مع الجامعات الإسرائيلية. ولكن ثمة جامعات أخرى غير أعضاء في الاتحاد، ومراكز بحوث ودراسات ومؤسسات أهلية تنتمي إلى العالم العربي الإسلامي، لها صلة تعاون، على نحو ما وعلى مستوى أو آخر، بالجامعات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. ومن الضروري أن تبادر جامعات العالم الإسلامي إلى توجيه رسائل تأييد ومساندة إلى الجامعات الأميركية والبريطانية والأوروبية التي انضمت إلى حملة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية تضامناً معها، وإقامة جسور التعاون مع هذه الجامعات، من خلال اتحاد جامعات العالم الإسلامي، واتحاد الجامعات العربية، والرابطة الدولية للجامعات المنتسبة الى اليونسكو، واتحادات إقليمية أخرى للجامعات في جنوب شرقي آسيا وفي أميركا اللاتينية التي لها دورها ونفوذها اللذان لا ينكران في محيطها الإقليمي والدولي. أعتقد أن مقاطعة الجامعات في العالم للجامعات الإسرائيلية، بغض النظر عن درجة هذه المقاطعة، تخدم في المقام الأول، الهدفَ الاستراتيجيَّ الذي أصبح قطاع واسع من الرأي العام العالمي مؤيداً ومسانداً له، وهو العمل من أجل تقديم مجرمي الحرب من القادة الإسرائيليين المدنيين والعسكريين، إلى العدالة الدولية. هؤلاء المسؤولون الإسرائيليون الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي جنين والخليل من الضفة الغربية، وفي قانا في جنوب لبنان، وفي مواقع أخرى كثيرة داخل الأراضي الفلسطينية. أي أن هذا الهدف يوازي الهدف الذي تعمل له الحملة التي تقودها مجموعة من المثقفين والأكاديميين الإسرائيليين من أجل مقاطعة الجامعات الإسرائيلية من طرف جامعات العالم كافة. فهذا عمل قانوني محض، وذاك عمل ثقافي أكاديمي خالص، وهما عملان يتكاملان. إنّ الجرائم الإرهابية التي ترتكبها حكومة إسرائيل، تستدعي التعبئة الشاملة على مختلف المستويات، لفضح هذه الجرائم ومواجهة الحملة الإسرائيلية الإعلامية التضليلية التي انطلقت في أميركا، لتشويه صورة الناشطين المشاركين في أسطول الحرية، ونشر الأكاذيب حول الجهات الداعمة لهم. كما أن الضغط على حكومة تل أبيب، ومحاصرتها والتضييق عليها، ومقاطعة مؤسساتها جميعاً، من دون استثناء، هي السبيل لفضح جرائم إسرائيل وإرغامها لتنصاع الى الشرعية الدولية. * المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو.