هو «لوكو» باللهجة المحلية تعني المجنون. لكن جنون الأرجنتيني مارتشيللو بييلسا مدرب منتخب تشيلي، إيجابي ومحبب، كون حامل هذه الصفة أضحى شخصية عامة في «الوطن الجار» يحظى بالاحترام والتقدير والشعبية. أطلق على بييلسا (54 سنة) لقب «لوكو» نظراً لشغفه الكبير بالدراسات والمتابعات المتعلقة بكرة القدم. فهو قارئ نهم ومشترك في 40 مطبوعة أجنبية متخصصة وصاحب مكتبة سمعية بصرية تضم آلاف الأشرطة والأفلام الخاصة بالمباريات. وهذه الهواية المكلفة عموماً قديمة العهد، وتطور عشقه لها منذ سنوات تخصصه بالتربية الرياضية أي قبل تمرّسه المهني. و»فاز» بشرف التسمية أيام توليه مقدرات فريق نوولز أولد بويز عام 1990، الذي قاده إلى ألقاب عدة وأوصله إلى نهائي كوبا أميركا «كأس ليبرتادورس». غابت تشيلي عن نهائيات كأس العالم منذ عام 1998، وعادت تحت جناح بييلسا بعد حلولها في المركز الثاني في تصفيات أميركا الجنوبية برصيد 33 نقطة، وبفارق نقطة واحدة عن البرازيل المتصدرة. وتعزى هذه العودة والنهضة في الدرجة الأولى إلى رئيس الاتحاد التشيلياني لكرة القدم، الذي «ألزم» الأعضاء على القبول بتعيين بييلسا مدرباً للمنتخب. ومن غاب عنه اسم بييلسا، فهو يعتبر من أمهر المدربين العالميين وأفضلهم، إذ قاد منتخب بلاده إلى بطولات عالمية في الفئات الشبابية قبل أن يتولى تدريب المنتخب الأول في مونديال 2002، ومعه حلت الكارثة الشهيرة بخروج «أبطال العالم السابقين» من الدور الأول. بييلسا سليل عائلة بورجوازية في روزاريو، كان شقيقه وزيراً للخارجية. بعد أداء متواضع، توقف نشاط بييلسا اللاعب بسبب إصابة في ركبته. وتنقل مدرباً بين الأرجنتين والمكسيك وإسبانيا. ولم يبعده الإخفاق في مونديال 2002، إذ قاد المنتخب الأولمبي إلى الميدالية الذهبية في دورة أثينا عام 2004، قبل أن يقرر التنحي طوعاً مدة ثلاث سنوات معللاً السبب بافتقاده «إلى الطاقة اللازمة». وتوجّه إلى مسقطه روزاريو حاملاً كتبه وأسراره وناشداً الهدوء والسكينة. ثم شمّر عن ساعديه ليعيد منتخب تشيلي إلى الأضواء. ويعتبر بييلسا «الطريق» الثالثة» التي تجمع بين نهجي مواطنيه لويس سيزار مينتوتي الفائز مع منتخب الأرجنتين بمونديال 1978، وكارلوس بيلاردو الفائز باللقب الثاني عام 1986. فهو يعتمد مزيجاً من الهجوم الاستعراضي الذي اشتهر به أسلوب مينوتي، من دون إهمال التنظيم الدقيق والحذر في الارتداد التي عرف به بيلاردو. كما أن بييلسا ومعجب بنظيره الهولندي لويس فان غال (مدرّب بايرن ميونيخ حالياً)، ويرتاح إلى طريقة 3 – 3 –1 – 3 الطموحة، التي اشتهر بها هلموت شول مدرّب منتخب ألمانيا بطل أوروبا عام 1972 وبطل العالم عام 1974، التي ترتكز على سيطرة واضحة على منطقة الخصم مع لاعب محور يؤدي في خطي الهجوم والوسط. يتحاشى بييلسا قدر الإمكان اللقاءات الصحافية الفردية، ولا ينكر أنه يعتبر غالبية محاوريه لا يجارونه فكراً في اللعبة، وعليهم «الدرس والمذاكرة» قبل الجلوس معه. لكنه قد يتكلّم لمدة 4 ساعات في المؤتمرات الصحافية! خلال فترة استراحته «القسرية» رفض بييلسا عروضاً مغرية عدة، ثم قبل التحدي وتسلّم عام 2007 الدفة التشليانية «التي تحتاج إلى تنظيم» في مقابل 1.5 مليون دولار سنوياً. ويتضمن المبلغ رواتب أفراد الطاقم المساعد. وصدم المبلغ المرتفع بداية أوساط اللعبة في تشيلي، وهذا ما لم ينكره رئيس اتحاد كرة القدم الذي أوضح انه يدفع ماله في مكان منتج ومضمون. وبالفعل، قام بييلسا بنفضة كاملة لمنتخب تشيلي، واستعان بعدد كبير من اللاعبين الناشئين إذ اختبر 90 لاعباً بدقة متناهية مركزاً على تفاصيل غير معهودة، ولهذا بدأت المسيرة في شكل بطيء مع نتائج متوسطة، قبل أن تحصل «التقليعة» وتنطلق مسيرة التأهل للمونديال. «المدرب بييلسا متطلب جداً وهو قاس في ما يريده، ولكننا نحترمه كثيراً لأن له نظرة ثاقبة، ولا عجب أن يكون من أفضل المدربين من الناحية التكتيكية في العالم». والكلام هنا لهداف المنتخب في التصفيات هومبرتو سويزو (صاحب الإصابات ال10) الذي كان منسياً قبل أن يستدعيه بييلسا من ناديه في المكسيك ويجعل منه نجم خط الهجوم، إضافة إلى ماتياس فرنانديز في خط الوسط، وحارس المرمى كلاوديو برافو، أفضل حارس مرمى في أميركا الجنوبية 2009 والعمود الفقري لخط الدفاع. سلوك بييلسا، الذي يتسم بالمتواضع والواقعية، جعله محبوباً من الجميع، يتهافت الناس لتحيته في الأماكن العامة، ويُشاهد وهو يلاعب الأولاد الصغار أو يحادثهم، كما يكثر من زياراته إلى حديقة الحيوانات. ويكشف أنه يستلهم من تصرفات «قاطنيها» طرقاً مناسبة لتأقلم المجموعة. وورد اسم بييلسا مرات في خطب رئيسة البلاد ميشيل باشليه وخلفها سباستيان بينيرا. كما صدرت كتب عن سيرته. ودُعي لإلقاء محاضرات في فن الإدارة بحضور رؤساء شركات ومؤسسات كبرى. ووجه نداءات مؤازرة عبر التلفزيون عقب الزلزال الذي ضرب تشيلي في 27 شباط (فبراير) الماضي. وإذا كان ملعب «أولد بويز» في الأرجنتين يحمل اسم بييلسا منذ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2009. فهناك اتجاه في تشيلي لمنحه الجنسية، ويريد اتحاد اللعبة تمديد عقده حتى عام 2015.