ولأن مساحة التأثير ستمتد إلى أكثر من هذا طالما أن الصمت هو سلاحنا الوحيد تجاه ما سيخلق لنا أزمة مقبلة ويصنع جيلاً متهوراً غاضباً، يفور لأتفه سبب، ويفتعل القضية والمشكلة بمجرد التماس مع القبيلة والنسب، وبعيداً عن لغة المجاملة وحب العودة للوراء والافتتان بالماضي فان بيننا من لا يزال يؤمن ويقاتل ويقتل من أجل المرجعية الجغرافية والاجتماعية، ويبذل من أجلها الغالي والنفيس بل يراها الهوية الحقيقية له ومن دونها يفقد كل مستحقاته وخصوصيته وحضوره اللائق في ظل ثبات الرأي. في غمضة عين وبمباركة من العصبية القبلية والتعصب الجاهلي تتحول مشاجرة بين طالبين في مجمع دراسي للمرحلتين المتوسطة والثانوية إلى مباراة ملاكمة يشارك فيها أكثر من 140 طالباً طالما أن المباراة لا بد أن تحسم مبكراً ومن الميدان فمن ذا الذي يجرؤ على إقناع ومواجهة المجلس الذي يضم الجميع والمسجد الذي يلتقي فيه الكل بان الحدث ليس فيه رائحة هزيمة بالشكل والمضمون، ولا تبدو بوادر انتقاص ولا حتى تخاذل عن حمية إنما حضور متوازن مكثف، طمعاً في أجر الفهم المتوارث عن نصرة ابن القبيلة ظالماً ومظلوماً، وهنا تتسع وتتوسع دوائر الاختلاف وتصل الطرق إلى زوايا مسدودة لا ينفع معها مسح العقول ولا شرح المعقول. كيف لنا أن نرتقي بثقافتنا وحضورنا المقنع في مختلف الأصعدة؟ ونحن الذين نحيل خصام اثنين إلى معركة جماعية تستنفر الجميع، وتستدعي وصول الرقم الأعلى من رجال الأمن وسيارات الإسعاف ولماذا فهمنا عكسياً عن لوازم القبيلة الأنفة والحكمة والكرامة والعزة والاعتداد بالنفس، واستعرنا مع اللوازم المعكوسة الفهم ذاتها الجهل والحسد والاندفاع والكره وتغييب المنطق وإعادة الجيل؟ اتجهنا بالعقول إلى التضحية والتركيز للحفاظ على تاريخ الاسم الأخير عالياً صلباً لا يمسه لسان، ولا تطوله يد، وكأن المعني من كل خلاف أو اختلاف هو هذا الهرم الاجتماعي الممثل في اسم «جد» لا ذنب له إلا تواجده بقوة التاريخ وتماسك النسيج في الأدمغة التي قرأته بالطريقة الخطأ ووجهته في الزوايا الضيقة التي لن تصنع مع مقبل الأيام إلا أجساداً تتحرك بلا وعي ومن دون ارتقاء فقط بحسب توجيه الراعي الرسمي للتصرفات والقرارات. أوقعنا القادمين المذهولين في مأزق السؤال عن الانتماء المكاني، وحصرية الحب والتعاطف، ثم حشدنا كل الإمكانات والقدرات لكي لا يأتي اسم أخير آخر ويحتل المكان أو يتقدم في مستوى الطموح المحصور في رقصة شعبية أو قصيدة حماسية وأخيراً معركة يدوية وننكر التوافق والتماثل في تسعة أشهر. كما نحن نبعد ونبتعد عن التطرف الفكري ونبذل الجهد الخرافي لمغادرته للأبد فان جهداً آخر لا بد أن يكون حاضراً بالقدر ذاته من الاهتمام بتهور فكري ينطلق بلا مكابح ولا ثوابت، مسؤولية كل من منح حضوراً في منبر أو زاوية في صحيفة أن يكون التهور الفكري ممثلاً في التعصب القبلي طرحاً مكثفاً مقبلاً، هروباً من عودة جماعية تلقائية للوراء، نحن الخاسر الأكبر من ورائها، وعوداً على المعركة أذهب لاقتراح صديق ساخن يتجه بكل من شارك لتنظيف المسجد والمدرسة والمكان المحيط زمناً كافياً، فربما تعود العقول وتتراجع عن حمى الاندفاع، ويتساوى الكل في أوراق المقارنة للحظات حتى تُجرى الحسبة الذهنية اللازمة لأعمال تقديم الجسد على العقل. علي القاسمي