حين أعلن الشيخ أحمد الغامدي في دراسته عن جواز الاختلاط في الحياة العامة وكشف المرأة لوجهها، ثم أعلن الإمام والخطيب الشيخ عادل الكلباني أنه تراجع عن قوله سابقاً بحرمة الغناء، ظهر عليهما من شيوخ الطرف المتشدد من يقول: «إن ما قاله هذان الشيخان لو قيل في زمن شيوخنا القدماء لقطعت ألسنتهما»، ثم نصحهما «بالبيع في سوق الخضار الذي يليق بأمثالهما». فهل نستطيع القول إننا أصبحنا نعيش في زمن لا تقطع فيه ألسنة الشيوخ الذين حظوا بالثقة سنين طوالاً ثم أعلنوا أنهم يرون بحسب اجتهادهم ومعرفتهم غير ما يراه الشيوخ القدماء؟ وهل أصبحنا في زمن يأمن فيه صاحب الرأي ألا يذهب بعد تجريده من عمله إلى البيع في سوق الخضار؟ أم أنها الحقيقة الحتمية التي تؤول إلى أن تأكل الصحوة أبناءها لأنها صحوة قامت على عصبية الرأي المتشدد والرجل المتشدد والأيديولوجيا المغلقة، وهي حلقة شديدة الضيق شديدة التبعية، وقد وصفها الشيخ الكلباني الذي لا أظنه فوجئ بالهجوم عليه، ولا نتوقع أنه الهجوم الأخير، حين قال: «هناك فئة كبيرة من علمائنا وطلبة العلم منا مصابون بجرثومة التحريم، فلا يرتاح لهم بال إلا إذا أغلقوا باب الحلال، وأوصدوه بكل رأي شديد، يعجز عن فكه كل مفاتيح الصلب والحديد، لأنه يغلق العقول فلا تقبل إلا ما وافقها، ولا تدخل رأياً مهما كان واضحاً جلياً، ومهما كان معه من نصوص الوحيين، لأنها اعتقدت واقتنعت بما رأت. ولست أسعى في هذا المقال إلى أن أقنعهم برأيي، ولكني أريد أن أثبت للمنصف أني لم أقل ما قلت عن هوى، ولم أبح حراماً كما زعم المخالفون، ولست مبتدعاً قولاً أخالف به إجماع الأئمة والعلماء!». جرثومة التحريم لم تقف عند تحريم الغناء والموسيقى، بل إنهم من هذا المنطلق ربما من هذا المنحدر المتشدد، وصلوا إلى تحريم السلام الوطني، وقد نشروا جرثومة تحريمه في نفوس الطلبة والمعلمين، وما زالوا يصدحون بهذا التحريم المخالف لآداب الدولة علانية في قنوات سعودية، ولا يزال معلمون يخرجون علانية من كل محفل رسمي يبدأ بالسلام الملكي حتى ولو كان من يشهده ويفتتحه وزير التربية والتعليم، بحسب قول وزير التربية والتعليم السابق محمد الرشيد. جرثومة التحريم ليس لها علاج سوى هذا الفضاء الآمن الذي سيجعل من حوارنا ونقاشنا في مأمن لا يبيع المثقف ولا الشيخ بعده في سوق الخضار، مع أن البيع في سوق الخضار أفضل وأشرف من البيع في سوق المبادئ والضمير.