مرت المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية والاختيارية في لبنان بسلام أمس، ومارس الناخبون في 3 محافظات هي بيروت والبقاع وبعلبك- الهرمل، طقوس العملية الديموقراطية بطابعها المحلي - الإنمائي- العائلي الذي غلب عليه السياسي في عدد من المدن، وفي مقدمها العاصمة، فكانت تمريناً في بعض المناطق للقوى السياسية، سواء على تنافسها أو على ائتلافها، في أي انتخابات نيابية مؤجلة، واختباراً في بعضها الآخر إلى لدرجة النقمة على الأحزاب والزعامات، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والحياتية للمواطنين، سواء بالامتناع عن التصويت أو بتأييد لوائح معارضة لها. وهو الأمر الذي يفرض قراءة دلالاته بعد انتهاء العملية الانتخابية. (راجع ص7) وبينما ارتفعت نسبة الاقتراع في مناطق البقاع جراء المنافسات المحلية والسياسية، بقيت متدنية حتى بعد الظهر، على عادتها، في بيروت، مع آمال بارتفاعها عند إقفال صناديق الاقتراع السابعة مساء، بعدما شهد بعض أحيائها حيوية نتيجة المعركة بين لائحتين أساسيتين، الأولى ائتلافية (البيارتة) تضم الأحزاب الإسلامية والمسيحية كافة في العاصمة (ما عدا «حزب الله») وفي طليعتها تيار «المستقبل» الأقوى نفوذاً في العاصمة، والعائلات، ومن أهدافها تأكيد العيش المشترك وتكريس عرف المناصفة في المجلس البلدي (24 عضواً). والثانية من ناشطين في المجتمع المدني (بيروت مدينتي التي تمتعت بإمكانات تنظيمية) شعارهم الاستقلال عن الطبقة السياسية لفشلها في تأمين الخدمات والإنماء. وأمل منظموها باختراق ما للائتلاف، بالاعتماد على الناقمين من الآثار السلبية للتأزم السياسي في البلاد على الاقتصاد واهتراء المؤسسات، وأبرز مظاهرها أزمة النفايات. وانعكست حاجة الناس إلى تحسين الأمور المعيشية في برنامجي اللائحتين لجذب الناخبين. أما اللوائح الأخرى، فثلاث غير مكتملة. وحققت جولات زعيم «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري نتائج في استنهاض الناخبين السنة المناصرين له، الذين ازداد إقبالهم نسبياً على الاقتراع نتيجة مناشداته إياهم، ولا سيما في أحياء موالية له، فيما يترقب الوسط البيروتي مدى تأثير النداءات المتكررة التي أطلقها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» للناخبين المسيحيين في العاصمة أول من أمس وأمس، للاقتراع للاّئحة الائتلافية. وانضم إليهما في المناشدة مطران بيروت للموارنة بولس مطر عصراً. وشهدت منطقة الأشرفية، التي رفعت النداءات مشاركةَ أبنائها نسبياً السادسة مساء، خلافات بين قياديين من «التيار الحر» على دعم الائتلاف، اضطرت قيادته على أثرها إلى إصدار توضيح يدعو المناصرين إلى التزام التحالف العريض. وتردد أن نسبة المشاركة في بيروت تقارب 20 في المئة، أي أكثر من عام 2010. وكانت العملية اختباراً ناجحاً للقوى الأمنية ووحدات الجيش، التي انتشر منها زهاء 20 ألف رجل أمن في المحافظات الثلاث، وكان أبرز الاختبارات في بلدة عرسال (بعلبك - الهرمل) المحاذية للحدود مع سورية، والتي تتواجد على ضفافها عشرات مخيمات النازحين السوريين، وبينهم مسلحون تابعون لتنظيمات متطرفة، إذ وضعت أقلام الاقتراع في مراكز تابعة للجيش. وأدى احتدام المنافسة في مدينة زحلة البقاعية بين 3 لوائح سياسية - عائلية، إلى حركة كثيفة في أقلام الاقتراع، وسط اتهامات على لسان نواب وسياسيين لبعض النافذين في لائحة يدعمها النائب نقولا فتوش بالرشوة المالية للحصول على أصوات، فيما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق نهاراً أن جهازاً أمنياً داهم أحد الأماكن ولم يجد ما يدل على شراء أصوات. لكن الداخلية أصدرت بياناً مساء عن توقيف مشتبه به بالقيام برشوة ناخبين. وسبَّب خلط الأوراق في «عروس البقاع» ضبابية في حجم التأييد الذي نالته كل من لائحة تحالف «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» والكتائب ولائحة الكتلة الشعبية لآل سكاف التي أيدها «المستقبل»، و لائحة آل فتوش، خصوصاً أن «حزب الله» شكل لائحة خاصة به من اللوائح الثلاث استثنى منها «القوات». وفي البقاعين الأوسط والغربي، آثر «المستقبل» أن يكون «على مسافة واحدة من الجميع»، في معارك غلب عليها تنافس العائلات التي له مناصرون في معظم لوائحها، فيما بقي تحالف عون- جعجع متماسكاً في بعض القرى المسيحية وشهد افتراقاً في بعضها الآخر. وانسحب الإحجام عن تأييد اللوائح الحزبية على عدد من قرى بعلبك مقابل تحالف حركة «أمل» و «حزب الله» مع بعض العائلات، وفي المدينة نفسها، حيث نافست لائحة سياسية عائلية تلك المدعومة من التحالف. وكذلك في بلدة بريتال. وفي بعض القرى برر بعض مؤيدي الحزب رفضهم لوائحه بأنهم يناصرونه كمقاومة ضد إسرائيل لكنهم ضد فرضه خياراته في الاستحقاق البلدي من أخفقوا في العمل العام. وأمل رئيس الحكومة تمام سلام بأن تنعكس الانتخابات البلدية على استحقاقات أخرى، وأبرزها انتخاب رئيس للجمهورية، فيما قال الحريري إن الانتخابات سياسية، وبيروت ستظهر هويتها السياسية... لمصلحة إثبات أنها ضمن فلك مسيرة تيار «المستقبل» والرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأكد أنه مع انتخابات رئاسية أولاً حين سئل عن النيابية، وشدد على المناصفة. ووصف المشنوق الذي جال على المحافظات الثلاث وصولاً إلى عرسال، الانتخابات بأنها «خطوبة»، معتبراً أن «العرس» الفعلي هو بانتخاب رئيس للجمهورية.