بعكس الصورة المفزعة والدموية التي تقدمها رواية «رجال الثلج» عن أوضاع المهاجرين اليمنيين الى الولاياتالمتحدة، وعلى رغم القيود التي تضعها حكومات غربية أمام هجرة المسلمين عموماً واليمنيين خصوصاً وامتناع سفارات كثيرة عن منح تأشيراتها لشباب بهدف المشاركة في ندوات أو مهرجانات، لم ينكسر حلم اليمنيين في الهجرة وتكرار المحاولات لمغادرة ما بات سجناً كبيراً يطبق عليهم. ومنذ تخرج من قسم الاجتماع في جامعة صنعاء في عام 2000 وعامر (36 سنة) لا يكل من تكرار المحاولة بهدف الحصول على فرصة للعمل والإقامة في أوروبا. ويقول عامر الذي أمضى نحو عشر سنوات متنقلاً ما بين هولندا وبريطانيا سعياً للحصول على إقامة شرعية أو حق اللجوء، أن الصعوبة تزداد يوماً بعد يوم أمام الشبان اليمنيين الموزعين على أوروبا وأميركا ممن لم تستقر أوضاعهم بعد في إطار رسمي. ومعلوم أنه منذ خروج نحو مليون يمني من السعودية والخليج على خلفية موقف الحكومة اليمنية من غزو العراق للكويت، أخذ بعض الشبان يتجه نحو الهجرة إلى القارتين الأميركية والأوروبية مهما كلفهم الأمر. وثمة من راح ينبش في الأوراق القديمة لعائلته بحثاً عمن يمكن أن يسهل له الحصول على امتياز الهجرة والإقامة في بريطانيا على وجه الخصوص، إذ شاع في وقت سابق انها تمنح امتيازات لأفراد العائلات التي تملك وثائق ولادة من السلطات البريطانية خلال احتلالها لجنوب اليمن. والبعض الآخر وجد الحل في تزوج بنات من الجاليات اليمنية المنتشرة في الخارج، لتكون جواز سفر يعبرون بهم بوابة الهجرة. وكما في رواية «رجال الثلج» يتعرض كثيرون للصدمة الثقافية حال وصولهم إلى المجتمعات الغريبة وينخرطون في أعمال غير شرعية. ويعتقد كثيرون أنهم سيجدون الفردوس المبتغى بعيداً من الفقر والحروب التي تمزق بلدهم لكنهم لا يلبثون أن يقعوا في أتون حرب العصابات والمخدرات فتصل أخبارهم إلى اليمن من دون أن تزعزع أحلام آخرين بالهجرة. ويقول عامر الذي بدا متفائلاً بإمكان الحصول على رخصة إقامة في بريطانيا، انه على رغم العقبات التي تواجه الشباب اليمنيين في دول المهجر، لا بديل من المضي قدماً للحصول على فرصة البقاء هناك، «فالأوضاع في الوطن من الصعوبة بما لا يترك مجالاً للتعايش معها». ويروي عامر مصاعب الإقامة في المخيم الهولندي المخصص للمهاجرين غير الشرعيين ممن يبحثون عن لجوء وبقائهم أياماً طويلة لا يعرفون فيها مصائرهم. ويقول انه خلال إقامته في بريطانيا تنقل بين عدد من الأعمال التي لا تتناسب ومؤهلاته العلمية، مشيراً الى أن البعض يستغل الوضع غير القانوني لأمثاله ليفرض عليهم أعمالاً بأجور زهيدة ودوام عمل يصل الى 12 ساعة يومياً. ووجد بعض الشبان اليمنيين في الحرب الأهلية ثم حرب صعدة مبرراً مثالياً للحصول على حق اللجوء، غير أن الحاصل أن وصمة الإرهاب تلاحقهم وتمنع عنهم طوق النجاة، فلا يبلغ الهدف إلا قلة قليلة منهم. ويقول عامر إن فرصة كهذه غالباً ما تكون غير متاحة لليمني «إلا في حال كذب وادعى انه صومالي أو شاذ جنسياً يعاني اضطهاداً في بلده»، في وقت بات اليمن محطة ترانزيت للشبان الصوماليين والإثيوبيين الراغبين بالهجرة الى الغرب. وبخلاف شبان ضفة البحر المتوسط الذين يعمدون الى الهجرة غير الشرعية بقوارب الموت عبر البحر، يلجأ الشبان اليمنيون الى استخراج تأشيرة عمل أو سياحة أو لزيارة الأهل فيمزقون أوراقهم حال وصولهم. ولا يقتصر الأمر على الداخل اليمني بل صار كثيرون من الطلاب الدارسين في دول غربية يعمدون الى المكوث أطول مدة زمنية ممكنة أو تدبر أمر الحصول على فرصة إقامة وعمل أو الزواج بفتاة أجنبية، علماً أن موجة الهجرة الى دول الجوار مستمرة. فكثيرون من الشبان يحاول السفر الى السعودية ودول الخليج بطريقة مشروعة أو من طريق التهريب من أجل العمل. ويتقاضى المهرب مبلغ مئة ألف ريال (نحو 500 دولار) مقابل إيصال الشخص الى داخل الأراضي السعودية وثمة من وجد في دبي بما تشهده من نشاط تجاري وجهة لممارسة تجارة الشنطة وبيع منتوجات يمنية مثل العسل.