على رغم مرور عشرين عاماً على صدور الطبعة الأولى من كتاب «الكنز والتأويل - قراءات في الحكاية العربية» للناقد العراقي سعيد الغانمي، إلا أنه ما زال يحتفظ بما يفاجئ به قارئه مع كل قراءة جديدة، مع بقائه وفياً لموضوعة قراءة السرد العربي القديم. وفي هذا الكتاب الذي صدرت طبعته الجديدة عن الدار العربية للعلوم - ناشرون ومنشورات الاختلاف (الجزائر)، يتعاضد منهج التأويل عند الغانمي مع التفكيكية والحفر المعرفي لإجلاء المعاني في سياقاتها وأنساقها ومقاصدها الكامنة، فكلما تعددت القراءات والتأويلات تعددت النصوص. يضم الكتاب قراءات في سبع حكايات عربية بلا مؤلفين، أي أنها تندرج الى حد كبير بالسرد الإخباري الشعبي، والحكايات هي: «حجر سنّمار: الحكاية اللانهائية»، «حكايات امرئ القيس: البحث عن «أوديب» عربي»، «حكاية حاسب كريم الدين: بلوقيا والسرد والخلود»، «صندوق وضاح اليمن: الحكاية المحرمة»، «سلامة والقس: ترويض الحواس»، «أبو حيّان الموسوس والماء: الحكاية المجنونة»، «الرؤيا والكنز والتعبير: حكاية الحالمين». يلمس القارئ في تأويل الغانمي حفراً معرفياً في مجالات تحليل متعددة: التحليل النفسي، التحليل المقارن للعناصر الإناسية، التحليل بالاعتماد على اللغة والمعاني والدلالية والرموز والتعارض الحكائي والتناص مما هو سمات للمنهج التفكيكي على نحو ما، وهذا ما قرأناه في تأويله لحكايات امرئ القيس على سبيل المثل، ففيه استعادة للمرويات الإسلامية والإسرائيلية والأسطورية، مع الاعتماد على مصادر نقدية مهمة، بما تحتويه الشكلانية والتفكيكية من مدلولات ومعانٍ كلما أمعنا في قراءة النص التراثي. يقول الغانمي: «النصوص تتعدد بتعدد القراءات. وما من قراءة يمكن أن تصل الى المعنى الأول الذي عناه المؤلف، وما من قراءة يمكن أن تشارف نهاية العالم فتدّعي لنفسها حق الاكتمال، كل قراءة هي نتيجة تفاعل متواصل بين مقروء وقارئ، أو نص وتأويل له، أو كنز وإنفاق منه. هناك إذاً كما يقول بول دي مان «اعتماد مطلق للتأويل على النص، والنص على التأويل». وكلما تعددت القراءات والتأويلات، تعددت النصوص(...) ولذلك فإن هذه القراءات ليست أولية ولا نهائية. إنها مجرد إجراءات ممكنة في ضوء بداية معينة، ولكنها في الوقت نفسه، إجراءات تحاول أن تعيد النظر بما تقترحه، فلا تثق كثيراً ببداياتها أو نهاياتها، إلا في حدود التحريض على استيلاد أسئلة جديدة».