يتفق الإسرائيليون على أن العزلة الدولية التي تعيشها الدولة العبرية منذ أكثر من سنة (مع تشكيل الحكومة اليمينية الحالية برئاسة بنيامين نتانياهو) تكاد تكون غير مسبوقة في حدتها، وأنها بلغت ذروتها بعد الهجوم العسكري الدموي على قافلة السفن المتضامنة مع سكان قطاع غزة ومطالبة العالم إسرائيل بتشكيل لجنة تحقيق دولية، لكنهم لا يتفقون على سبل الخروج من هذه الأزمة، إذ يدعم اليمين الذي يمثل أكثر من نصف الإسرائيليين الحكومة في قرارها اعتراض السفن وفي تشددها السياسي الى درجة أن شعبية نتانياهو ارتفعت، فيما اليسار الصهيوني اندثر في السنوات الأخيرة ولم يعد للصوت الذي يسمعه أي تأثير فعلي في صناع القرار. لكن هذه العزلة تقلق زعيم حزب «العمل»، وزير الدفاع ايهود باراك لسببين: الأول هو الأهمية الكبرى التي يوليها للعلاقات الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، وبالتالي مسعاه الى التغلب على الأزمة بينها وبين نتانياهو، والثاني الأصوات المتزايدة داخل حزبه التي تسأل عن جدوى بقاء «العمل» المحسوب على تيار يسار الوسط، في حكومة يسيطر عليها اليمين المتطرف. في الوقت نفسه، تؤرق العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل «ثعلب» السياسة في الدولة العبرية الرئيس شمعون بيريز الذي يسعى الى ضم حزب «كديما» الوسطي بزعامة تسيبي ليفني إلى الحكومة الحالية لتلقى الأخيرة قبولاً دولياً، وهي فكرة يؤيدها باراك للسبب ذاته. وأفادت صحيفة «هآرتس» ان باراك أدرك قبل غيره من أركان الحكومة أنه لا يمكن إسرائيل أن تتجاهل المجتمع الدولي الغاضب على الجمود السياسي في المنطقة وعلى سلوك الحكومة الحالية، ما دفع به إلى حض رئيس حكومته على إطلاق «مبادرة سياسية استراتيجية وجريئة تخرج إسرائيل من عزلتها». وأفاد تقرير لصحيفة «هآرتس» بأن باراك حذر خلال لقاءاته نتانياهو على انفراد وخلال اجتماعات «المنتدى الوزاري السباعي»، من أن «التكتل الدولي» ضد إسرائيل في أعقاب اعتراض «أسطول الحرية» يحتم عليها العمل الجدي لتحسين علاقتها مع الإدارة الأميركية التي تتعرض هي أيضاً لضغوط بسبب مواقفها المؤيدة لإسرائيل، مضيفاً أنه «في حال تضررت مكانة الولاياتالمتحدة دولياً، فإن عزلة إسرائيل ستتفاقم». وأضاف التقرير بأن باراك أوضح لنتانياهو أنه ما من سبيل لتحسين العلاقات مع واشنطن سوى التقدم ب «خطة سياسية واضحة وحازمة» تشمل معالجة قضايا الصراع الجوهرية بهدف التوصل إلى التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، مضيفاً أن من شأن مبادرة سياسية أن تخترق العزلة وان تمنع مظاهر مثل الأساطيل لغزة وتحقيقات دولية. وذكّر باراك رئيس حكومته بأن حكومات إسرائيلية سابقة تمتعت بقدرة التحرك الحر في المجال العسكري فقط لأنها قادت مفاوضات سياسية. لكن التقرير أشار إلى أن باراك لم يهدد نتانياهو بالانسحاب ووزراء حزبه من الائتلاف الحكومي في حال لم يتحرك سياسياً، إلا أن بعض وزراء الحزب أطلق في الأسابيع الأخيرة تصريحات دعت إلى إعادة النظر في مشاركة «العمل» في حكومة نتانياهو. وأضاف أن الحزب قد يبتّ في هذه المسألة الخريف المقبل حين تنتهي فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية ومع عقد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة والانتخابات النصفية للكونغرس. وأكدت الصحيفة أن باراك يسعى إلى ضم حزب «كديما» الوسطي المعارض إلى الائتلاف الحكومي باعتباره خطوة سيرحب بها العالم. ونقلت صحيفة «معاريف» عن الرئيس الإسرائيلي قلقه من تدهور مكانة إسرائيل في العالم ومخاوفه من مقاطعة اقتصادية اوروبية منظمة. وقالت إن بيريز يشعر الآن بالإحباط إزاء سياسة الحكومة الحالية وعدم التحرك في العملية السياسية مع الفلسطينيين، ما أدى إلى تدهور مكانة إسرائيل، لذا فإنه يسعى من وراء الكواليس إلى إجراء اتصالات مع عدد من وزراء «ليكود» لحضهم على إقناع نتانياهو بتشكيل ائتلاف حكومي بديل يشارك فيه الحزب الأكبر في إسرائيل «كديما». وتابعت أن ثلاثة من وزراء «ليكود» أيدوا الفكرة تأييداً مطلقاً. وتابعت أن بيريز لم يباشر بعد الضغط على ليفني لتنضم لحكومة برئاسة نتانياهو لإدراكه بأنها وسائر أركان حزبها يشترطون ذلك باستبعاد الأحزاب اليمينية المتطرفة عن الائتلاف، وبتغيير جذري في الخطوط العريضة للحكومة والاتفاق على برنامج سياسي جديد. وأضافت «معاريف» أن «بيريز قلق جداً من اتساع ظاهرة مقاطعة إسرائيل اقتصادياً، خصوصاً في اوروبا الغربية في الفترة الأخيرة، وأنه حذر من أن تتفاقم الظاهرة وتبلغ مستوى الدول والحكومات. ويتفق بيريز مع باراك في أن لو كانت العملية السياسية جارية لتمتعت إسرائيل بحرية تحرك وتفهم العالم مواقفها، لكن في غياب عملية سياسية يفقد العالم صبره بسهولة». كذلك يبدي الرئيس الإسرائيلي قلقه من تراجع مكانة الولاياتالمتحدة الدولية ومن «قِصر نفَس الأوروبيين الذي ترجم أخيراً إلى لغة الفعل والتصريحات، ومن حقيقة تدهور مكانة إسرائيل في الأسابيع الأخيرة». يذكر أن بيريز كان حتى فترة وجيزة من اشد المدافعين عن نتانياهو وسياسته مع تشكيل الأخير حكومته بداعي أن لديه مشروعاً سياسياً لتحقيق السلام. ورفض بيريز دعوات بأن يسمع صوته وانتقاداته على الملأ، بداعي أن من شأن ذلك أن يخدم خصوم إسرائيل. ولمحت ليفني إلى أنها معنية بدخول الائتلاف الحكومي الحالي بداعي أن «ليكود» و «كديما» هما الحزبان الوحيدان القادران على «ايجاد مجتمع ديموقراطي سليم في إسرائيل». وأضافت للإذاعة العسكرية أن «رئيس الحكومة منشغل حالياً في ضمان بقائه السياسي، فيما حكومته تسببت في انعدام شرعية لإسرائيل وقادتها إلى موقع ضعيف». وانتقدت تدخلاً دولياً في التحقيق في عملية اعتراض السفن بداعي أن «التدخل الخارجي إشكالي وليس اكيداً أن اللجنة التي تم تشكيلها ستحول دون تشكيل لجنة تحقيق دولية». وتوقعت الفشل لهذه الحكومة على خلفية عجزها عن اتخاذ القرارات الصحيحة، وناشدت نتانياهو توضيح سياسته والإعلان عما إذا كان مستعداً لتغيير سياسة حكومته الحالية. وكان رئيس جهاز الاستخبارات «شاباك» يوفال ديسكين حذر قبل يومين من أن «مواصلة الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين قد تزيد من إحباط الفلسطينيين وبالتالي يتعاظم الإرهاب».