ربما يكون الجزائري رياض محرز بطيء جداً، وصغير جداً، ونحيل جداً كي يصبح لاعب كرة قدم محترف، لكن ذلك لم يمنعه من أن يتوج «اللاعب الأفضل» في الدوري الإنكليزي الممتاز في الحفلة السنوية التي أقامتها «رابطة اللاعبين المحترفين» في إنكلترا اليوم. ومحرز، صانع ألعاب ليستر سيتي، اللاعب العربي والأفريقي الأول الذي ينال هذا الشرف، واللاعب الثاني غير الأوروبي بعد الأوروغوياني لويس سواريز الذي يتوج بهذه الجائزة. لم يتمكن محرز في بداياته من فرض نفسه أساسياً حتى في الفريق الأول لنادي سارسيل الفرنسي (شمال شرقي باريس)، الذي شهد انطلاقته في الملاعب. كان سارسيل مشتلاً لتفريغ النجوم، وكانت الأندية الفرنسية الكبرى، مثل باريس سان جرمان، ومرسيليا، وليون، ترسل كشافيها إلى هذه المنطقة من ضواحي باريس لاكتشاف المواهب وضمها إلى الأكاديميات الخاصة بها. ولم يلفت محرز نظر أي منها. وما يزيد من إنجاز محرز أن جميع الذين سبقوه في التتويج بهذه الجائزة دافعوا عن ألوان أندية عريقة، مثل إريك كانتونا (مانشستر يونايتد)، وتييري هنري ودينيس برغكامب (كلاهما مع أرسنال)، وغاريث بايل (توتنهام)، ولويس سواريز (ليفربول)، فيما نجح محرز في ذلك مع ليستر سيتي، الذي نجا بأعجوبة الموسم الماضي من السقوط إلى مصاف الدرجة الأولى، لكنه الآن على مشارف إحراز اللقب في كبرى المفاجآت في تاريخ الدوري الإنكليزي. وانتقل محرز إلى ليستر سيتي من نادي لوهافر في دوري الدرجة الثانية في فرنسا لكرة القدم، في مقابل مبلغ زهيد جداً، بلغ 500 ألف يورو في كانون الثاني (يناير) 2014، وسط عدم اكتراث شبه كلي من الصحافة الإنكليزية. لكن الأمور تغيرت في شكل جذري هذا الموسم، إذ أصبح اسم الدولي الجزائري رياض محرز على كل شفة ولسان. ويعد محرز (24 سنة)، أحد اللاعبين البارزين الذين ساهموا في جعل ليستر سيتي متصدر الترتيب، مفاجأة الموسم. وقد تكون وفاة والده نقطة تحول في حياة محرز، والذي يقول في هذا الصدد: «وفاة والدي عندما كنت في ال15 كانت نقطة الانطلاق. لا أدري ما إذا كنت أصبحت أكثر جدية، لكن ما هو أكيد أن الأمور تغيرت كثيراً بعد رحيله». ونشأ محرز في ضواحي باريس الشمالية، وقال إن المقربين منه نصحوه بعدم التوجه إلى الدوري الإنكليزي، بل الانتقال إلى الدوري الإسباني. وأضاف: «الجميع كانوا يقولون لي: رياض الدوري الإنكليزي لا يناسبك، فهو يعتمد على اللعب البدني كثيراً، الأفضل لك الانتقال إلى الدوري الأسباني». لكن محرز لم يستمع إلى نصائح هؤلاء، ورفض عروضاً من باريس سان جرمان ومرسيليا، لينتقل إلى ليستر سيتي المتواضع، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط إلى الدرجة الأولى في نهاية الموسم الماضي. وكان النقاد يعتبرونه نحيل الجسم، ولا يستطيع الصمود في مواجهة المدافعين الإنكليز أصحاب البنية الجسدية الضخمة، لكن محرز لم يتأثر في هذا الأمر إطلاقاً، لأنه لم يدع الفرصة أمام المدافعين للاقتراب منه، نظراً إلى براعته في المراوغة. وسجل محرز 17 هدفاً هذا الموسم، آخرها هدف الافتتاح لفريقه في مرمى سوانسي سيتي أمس الأحد (4 - صفر). كما كان صاحب 11 تمريرة حاسمة، ليضع فريقه على مشارف اللقب المحلي في واحدة من كبرى المفاجآت في تاريخ الدوري. كما أنه أصبح أيضاً اللاعب الأول في صفوف ليستر سيتي الذي يسجل ثلاثية (فعلها ضد سوانسي سيتي في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي)، منذ أن فعل ذلك ستان كوليمور في عام 2000. كما أصبح اللاعب الجزائري الأول الذي يسجل ثلاثية في الدوري الإنكليزي الممتاز. وتفوق محرز على زميله في ليستر سيتي جيمي فاردي، صاحب 22 هدفاً هذا الموسم، وعلى هاري كاين مهاجم توتنهام ومتصدر ترتيب الهدافين برصيد 24 هدفاً. وأشاد به زميله في ليستر حارس المرمى غاسبر شمايكل، بقوله: «إنه لاعب مثير جداً، يجعل الجمهور يقف في كل مرة يقوم فيها بحركة فنية رائعة. إنه لاعب مهاري يجيد المراوغة وخلق الفرص، إضافة إلى قدرته على التسجيل. إنه لاعب يحلم كل فريق بالحصول على خدماته». وكان لسان حال مدربه الإيطالي المحنك كلاوديو رانييري مماثلاً، بقوله: «هذا الموسم يعتبر محرز بالنسبة إلينا لاعباً ساحراً. وأصبح مرجعاً للفريق، وعندما يتعلق الأمر في إيجاد الفرص نقوم فقط بتمرير الكرة إليه، وهو يقوم بالباقي». وأشاد محرز بزملائه، وقال خلال الحفلة التي أقيمت في فندق في العاصمة الإنكليزية: «الفضل يعود إليهم بكل تأكيد». وأضاف: «الفضل يعود أيضاً إلى المدرب كلاوديو رانييري والجهاز الفني. لولاهم لما أحرزت هذه الجائزة. وأنا ممتن جداً لحصولي عليها، إنها مميزة جداً، لأن اللاعبين هم الذين صوتوا لي، واعترفوا بموهبتي هذا الموسم». وبدأ محرز مسيرته في صفوف الفئات العمرية لنادي سارسيل الفرنسي، قبل أن ينضم الى نادي كيمبر الهاوي عام 2009. وفي العام التالي انتقل إلى لوهافر. ولعب في البداية في الفريق الرديف ضمن الدرجة الثانية قبل أن تجري ترقيته إلى الفريق الأول، وسجل له ستة أهداف قبل التوجه إلى ليستر سيتي في فترة الانتقالات الشتوية، وتحديداً في كانون الثاني (يناير) 2014. ويدافع محرز المولود في فرنسا، والذي يحمل الجنسيتين الجزائرية والمغربية، عن ألوان المنتخب الجزائري، وخاض في صفوفه المباراة الدولية الأولى في 31 أيار (مايو) 2014 ضد أرمينيا، وكان ضمن التشكيلة الرسمية التي خاضت غمار كأس العالم في البرازيل، ولعب مباراة واحدة. وإزاء تألقه اللافت هذا الموسم، ذكرت تقارير صحافية أن أندية برشلونة الإسباني، وآرسنال ومانشستر يونايتد ترغب في التعاقد معه، وبالتالي، فإن حلم اللعب لأحد الأندية الكبيرة لم يعد بعيد المنال.