دافع الرئيس باراك أوباما الذي بدأ أمس، زيارة إلى ألمانيا تستمر يومين، عن اتفاق للتجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، يثير شكوكاً عميقة لدى الجانبين، في وقت تواجه القارة العجوز تحديات اقتصادية ومسائل ملحة، ليس أقلها الهجرة، إضافة إلى هاجس الإرهاب. وكرّر أوباما تحذيره بريطانيا من أنها «ستخسر من نفوذها في العالم»، إذا انسحبت من الاتحاد الأوروبي، منبّهاً إلى أنها بذلك قد تنتظر عقداً قبل التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة. وحرص على تقديم دعم علني للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، إذ وصفها بأنها «حارسة أوروبا». واستقبلت مركل أوباما بحرارة في مدينة هانوفر، في زيارته الوداعية إلى ألمانيا رئيساً، آتياً من بريطانيا، ثم أجريا محادثات تطرّقت إلى الاتفاق ومسائل أخرى، بينها جهود مواجهة تنظيم «داعش» وتحسين التعاون في مكافحة الإرهاب. وقال أوباما إنه ومركل توافقا على «حاجة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي إلى المضي في المفاوضات حول الاتفاق التجاري عبر الأطلسي». وأضاف خلال مؤتمر صحافي مع المستشارة: «لا أتوقع المصادقة على اتفاق بحلول نهاية السنة، لكنني أتوقع أن ننهي المفاوضات حول الاتفاق، وعندها سيتمكّن الناس من تحديد لماذا هو إيجابي بالنسبة إلى بلدينا». وأقرّ بأن الاتفاق «يقوّي الاقتصاد» الأميركي. أما مركل فرأت أن الاتفاق هو بمثابة «فرصة أوروبية ومساعدة ضخمة، لإتاحة توسّع اقتصادنا». وافتتح الرئيس الأميركي والمستشارة الألمانية ليل أمس معرض هانوفر، أضخم معرض تجاري للتكنولوجيا الصناعية في العالم. وكان عشرات الآلاف تظاهروا في شوارع المدينة السبت، احتجاجاً على «اتفاق الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار». واستعار محتجون شعار أوباما خلال انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2008، إذ رفعوا لافتات كُتب عليها «نعم نستطيع – أوقفوا الاتفاق!». ويعتبر مؤيدو الاتفاق انه قد يدعم اقتصاد كل جانب من الأطلسي بنحو مئة بليون دولار. لكن منتقديه يخشون أن يؤدي إلى تسريح عمال، وإلى تآكل حماية المستهلك والمعايير البيئية. وشدد أوباما على أهمية إنجاز الاتفاق بحلول نهاية السنة، على رغم أن المصادقة عليه في الكونغرس مستبعدة قبل تخليه عن منصبه. وكان أقرّ في لندن السبت بصعوبة المفاوضات التجارية، لأن كل دولة تكافح من أجل مصالحها. لكن وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل أشار إلى أن «الأميركيين لا يريدون فتح عروضهم العامة أمام الشركات الأوروبية»، معتبراً أن ذلك «يتناقض كلياً مع التبادل الحر». وأضاف: «في حال أصرّ الأميركيون على هذا الموقف، لسنا في حاجة إلى معاهدة للتبادل الحر، وستفشل». وأعلن أنه سيرفض موقفاً أميركياً لخّصه بعبارة «إشتروا ما يُصنع في أميركا». ولفت إلى أنه لن يوقع اتفاقاً «ينصّ على محكمة تحكيم خاصة». في السياق ذاته، نبّه الرئيس الأميركي إلى أن لندن قد تنتظر «خمس أو عشر سنين» قبل التوصل إلى اتفاق للتجارة حرة مع واشنطن، إذا اختارت الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، خلال استفتاء مرتقب في 23 حزيران (يونيو) المقبل. وقال ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي): «لن تتمكن بريطانيا من التفاوض على أي شيء مع الولاياتالمتحدة، أسرع من الاتحاد الأوروبي. لن نتخلى عن جهودنا للتفاوض على اتفاق تجاري، مع أبرز شريك تجاري لنا وهي السوق الأوروبية». ولفت إلى أن التعاون العسكري والاستخباراتي بين واشنطنولندن لن يتأثر بخروج بريطانيا من الاتحاد، مستدركاً أنها «ستخسر من نفوذها في أوروبا والعالم». أوباما الذي يزور ألمانيا للمرة الخامسة منذ دخوله البيت الأبيض، حرص على إبراز علاقة متميزة مع مركل، إذ تحدث معاونوه عن علاقة «عقلانية لا تُقارَن»، فيما وصفتهما صحيفة «فرانكفورتر ألغيمايني تسايتونغ» بأنهما «روحان توأمان». وعلى رغم أن هذه العلاقة واجهت مطبّات، لا سيّما بعد كشف تنصّت وكالة الأمن القومي الأميركي على الهاتف الخلوي لمركل، وصفها أوباما بأنها «حارسة أوروبا»، مشيداً بموقفها «الشجاع» في أزمة المهاجرين. وقال لصحيفة «بيلد» إن المستشارة «أظهرت مواصفات قيادية سياسية وأخلاقية حقيقية تثير إعجابي، وهي تسترشد بالمصالح والقيم في آنٍ».