تتجه أنظار السعوديين اليوم نحو شاشات التلفزيون لمتابعة برنامج «التحول الوطني 2030»، وسط حال من الترقب والانتظار لما سيحويه من تفاصيل، خصوصاً في ظل التكهنات التي طاولته بعدما أعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن الخطة تستهدف إعداد المملكة لعصر ما بعد النفط. ومع ترقب التفاصيل ارتفعت البورصة السعودية بشكل لافت وشهدت تداولاً مكثفاً أمس حيث دعم صعود أسعار النفط أسهم شركات البتروكيماويات بينما تباينت أسواق الأسهم الأخرى في المنطقة. وصعد المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية بنسبة 1.7 في المئة إلى 6699 نقطة مسجلاً أعلى مستوى إغلاق له منذ الخامس من كانون الثاني (يناير) في أكبر حجم تداول من نوعه منذ أواخر آب (أغسطس) 2015. وقفز سهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) ذو الثقل في السوق 3.8 في المئة محققاً مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي. وينتظر السعوديون بمزيج من الأمل والترقب الإعلان عن خطة تهدف لتحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكثيف على النفط وتشمل إصلاحات جذرية لكنها قد لا تخلو من بعض التحديات. وتابع الحساب الرسمي لرؤية السعودية 2030 على موقع «تويتر» حوالى ربع مليون متابع منذ إطلاقه رسمياً الأربعاء الماضي. وكان الأمير محمد بن سلمان أشار إلى أن الخطة ستشمل العديد من البرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى بيع حصة من شركة «أرامكو السعودية»، وإنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم. وسيعمل «البرنامج» على تحويل مزايا المملكة النسبية الموقتة إلى مزايا تنافسية مستدامة، لزيادة قيمة أصولها الثابتة وتعميق استثماراتها المتنوعة، وتعزيز الشراكة بين القطاع الحكومي وقطاع الأعمال، لكي تقفز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 70 في المئة خلال خمسة أعوام، وذلك بعد التخصيص الكامل لجميع الشركات الحكومية. ويستهدف البرنامج الطموح لنقل الدولة في مختلف اختصاصاتها، إدارياً ومالياً، إلى أهداف تجعل منها دولة عصرية متكاملة النمو، بحيث تتواكب فيها التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما يخدم نقل الدولة إلى العصرنة، ويتضمن التحول تغيير إدارة الدولة للاحتياطات المالية، وتعزيز الكفاءة والفعالية، وإعطاء دور أكبر لمشاركة القطاع الخاص في التنمية، وتنفيذ حزمة من البرامج المتنوعة، التي منها التخصيص والتحديث والتحول الإلكتروني وتنمية الموارد البشرية في قطاعات التعليم والتدريب. ويستهدف مشروع «برنامج التحول الوطني 2030» في محصلته النهائية إلى تحقيق رفاهية المواطن، ومضاعفة قدرات الاقتصاد الوطني في مختلف جوانبه، وإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والعدلية والتنموية خلال الأعوام الممتدة بين 2016 و2020. ومن أهم البرامج التي سيتم تنفيذها إنشاء «صندوق سيادي» بقيمة 7.5 تريليون ريال (تريليونا دولار)، ومن ضمنها تخصيص شركة أرامكو السعودية وإعادة هيكلتها، لتحرير أسعار المنتجات النفطية والغاز الطبيعي وجعلها شركة قابضة، وتنفيذ مشاريع نقل المنتجات النفطية والغاز الطبيعي بين المدن، بالتعاون مع القطاع الخاص، إضافة إلى استحداث منظومة متكاملة من الأنظمة والقوانين التي تتولى دعم الاستثمارات المحلية والخارجية، وتخصيص مؤسسات الدولة القابلة للتخصيص، وإشراك القطاع الخاص فيها. كما يتبنى «برنامج التحول الوطني» قياس أداء الأجهزة الحكومية من خلال 551 مؤشر قياس، حول 18 مكوناً رئيساً، يأتي في مقدمها التعليم والصحة والإسكان والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية والخدمات البلدية والبنى التحتية، إذ حدد عام 2020 موعداً لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من المسؤولين في الأجهزة الحكومية، وسيكون الوزراء مسؤولين عن تنفيذها مباشرة. ويضم مشروع التحول الكبير تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، باعتباره رافداً مهماً للقطاعات الحكومية، وشمل المرأة والإسكان والتعليم والهوية الوطنية والتدريب والتأهيل والتوظيف والرعاية الصحية، والترفيه والرياضة والثقافة وبيئة العيش (نمط الحياة)، والنقل والبنية التحتية والعدل والحماية الاجتماعية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والحج والعمرة والسياحة. وأفردت الخطة قسماً رئيساً للقطاع الخاص، بحيث ستكون خططاً شاملة تضم إزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي، ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية، وكذلك تنوع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلي، وتقليل الاعتماد على النفط، والاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاج، وأخيراً التوسع في توظيف المواطنين وتنميتهم معرفياً، في عملية إحلالهم في مختلف الوظائف الحكومية والقطاع الخاص. وتحتل السعودية المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط، بصفتها أكبر الدول الجاذبة والمحفزة للاستثمار، والمرتبة الثالثة عالمياً في الحرية المالية والنظام الضريبي، والرابعة دولياً في قوة وصرامة الأنظمة المصرفية. وكشف الخبير السعودي في التجارة الدولية فواز العلمي ل«الحياة» أن المملكة نفذت أكثر من 245 إصلاحاً اقتصادياً محلياً، وأطلقت 14 مبادرة إقليمية ودولية، ما جعلها تحقق بجدارة مراكزها الرفيعة في الأممالمتحدة ومجموعة ال20 ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، ليس فقط لامتلاكها 25 في المئة من احتياط النفط العالمي، بل لتطبيقها أفضل الأنظمة التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتمتعها بأهم المراكز التنافسية في جذب الاستثمارات العالمية.