طغى بعدان، تاريخي ورمزي، على بدء قادة 171 دولة في نيويورك أمس، توقيع اتفاق باريس للمناخ، الذي قد يُطبَّق قبل سنوات من الموعد المُفترض. فالاتفاق يحظى بزخم هائل، يعزّزه وعي متزايد بخطر الاحتباس الحراري على مستقبل البشرية. كما أن موعد توقيعه أمس لم يكن مصادفة، إذ تزامن مع «يوم الأرض» الذي يُحتفَل به عالمياً في 22 نيسان (أبريل)، دعماً لحماية البيئة، علماً أنه أُطلِق عام 1970. وسجّل الاحتفال رقماً قياسياً بالنسبة إلى الديبلوماسية الدولية، إذ لم يسبق أن وقّع هذا العدد من الدول على اتفاق في اليوم الأول، علماً أن أمامها مهلة سنة لفعل ذلك. وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «سباق مع الزمن»، فيما شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي وقع بحضور حفيدته، على وجوب الفوز في هذه «الحرب». وكان العدد القياسي السابق لتوقيع اتفاق في اليوم الأول سُجِّل عام 1982، عندما وقّعت 119 دولة المعاهدة الدولية لقوانين البحار. وسيُطبَّق الاتفاق بعد 30 يوماً على تصديقه في برلمانات 55 دولة مسؤولة عن 55 في المئة من الانبعاثات المسبّبة للاحتباس الحراري. ولتحقيق ذلك، تجب مصادقة دولة أو اثنتان من أبرز الملوثين (الولاياتالمتحدةوالصين والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند)، علماً أن الصينوالولاياتالمتحدة، المسؤولتين عن 38 في المئة من الانبعاثات، تعهدتا استكمال ذلك قبل نهاية السنة. ويشكّل التوقيع انطلاقاً فعلياً لاتفاق باريس الذي وافق عليه ممثلو 200 دولة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وشكّل اختراقاً تاريخياً في مفاوضات تعثّرت سنوات، بسبب خلافات بين دول فقيرة وغنية. ووضع الاتفاق هدفاً جماعياً لإبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري أدنى من درجتين مئويتين، مقارنة مع الحقبة السابقة على الثورة الصناعية، ومتابعة جهود الحدّ من ارتفاع الحرارة لئلا يتجاوز 1.5 درجة مئوية. وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أول الموقعين على الاتفاق، وتبعه قادة من دول- جزر هي الأكثر تضرراً من ظاهرة تغيّر المناخ. وأعلن أنه سيحض البرلمان الفرنسي على المصادقة على الاتفاق بحلول الصيف المقبل، لتكون باريس «مثالاً للجميع». وأضاف: «الأشهر الماضية كانت الأكثر سخونة في السنوات المئة الماضية. يجب التحرّك بسرعة. لا عودة الى وراء». ودعا هولاند العالم إلى تحويل اتفاق باريس «أفعالاً»، مشيداً ب «حضور تاريخي شكّل سابقة» في نيويورك. وشدد على ضرورة تأمين «الموارد المالية اللازمة لدعم تطبيق الاتفاق، من خلال جمع 100 بليون دولار حتى العام 2020». وتابع أن على كل دولة أن «تقدّم ما تستطيع، خصوصاً المتقدّمة منها، وفرنسا ستقدّم 3- 5 بليون يورو بحلول العام 2020» الذي يشكّل نظرياً موعد بدء تطبيق الاتفاق. وتعهد كيري أن تعمل الولاياتالمتحدة للمصادقة على الاتفاق هذه السنة، أي قبل انقضاء ولاية الرئيس باراك أوباما. وتحدث عن تجمّع «تاريخي»، وحض على تجديد الالتزام للفوز ب «الحرب» على الاحتباس الحراري. ورأى في الاتفاق رسالة قوية إلى «الأسواق والشركات والحكومات، لتحديد مستقبل الطاقة وتغيّر المناخ». ولفت الوزير الأميركي الذي حضر مع حفيدته، إلى أن الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة بلغت 203 بلايين دولار العام الماضي، معتبراً أن «مستقبل الطاقة والموارد النظيفة متاح لنا جميعاً، إذا كان هدفاً لنا». وكان بان كي مون تحدث عن «لحظة تاريخية»، قائلاً: «لم يوقّع أبداً مثل هذا العدد الكبير من الدول اتفاقاً دولياً في يوم واحد». وأضاف: «نحن في سباق مع الزمن، ونصنع التاريخ». واستعجل كل الدول المصادقة على الاتفاق، «بحيث يُطبَّق في أسرع وقت، ولإفهام الحكومات وعالم الأعمال أن الوقت حان لتكثيف العمل على المناخ». وتابع: «ولّى عهد الانبعاثات من دون تبعات، ويجب أن ندعم الدول النامية في إجراء هذا التحوّل، بحيث لا يعاني الأكثر فقراً وضعفاً أكثر، من مشكلات لم يسبّبها». وشدد على أن «هذا اليوم لا يجب أن يقتصر على الوعود، بل أن يُترجَم أفعالاً، باسم هذا الجيل والأجيال المقبلة، بحيث نقلّص الأخطار البيئية ونحمي المجتمعات». ورحّبت الأميرة المغربية لالا حسناء، شقيقة العاهل المغربي محمد السادس، بالمؤتمر التالي لمتابعة اتفاق باريس، والذي سيُعقد في مراكش في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ودعت باسم الملك المغربي إلى «توجيه جهود جماعية لتفعيل مقتضيات الاتفاق الشامل والمتوازن والمنصف» المُبرم في باريس.