الرئيس السوري يعلن تشكيل حكومة جديدة    وزير البلديات : الموافقة الكريمة تعكس اهتمام القيادة بتنمية القطاع العقاري وتوفير حلول مستدامة للمواطنين    أمير القصيم يهنئ القيادة الرشيدة بحلول عيد الفطر المبارك    القيادة تعزي ملك مملكة تايلند في ضحايا الزلزال    تعزيز الرقابة على المسالخ    «هيئة الترفيه» تطلق ألعاباً نارية غدًا في 14 مدينة بالمملكة احتفالًا بعيد الفطر    الرئيس السوري يعين الشيخ الرفاعي مفتياً عاماً    921 شهيدًا و2054 إصابةً منذ استئناف حرب الإبادة الجماعيَّة في غزة    خادم الحرمين: يوم العيد يوم فرح وسرور تتجلى فيه معاني الوحدة والتراحم والإخاء    العميد يستعيد مدافعه    ترمب يقيم مأدبة إفطار رمضاني بحضور ريما بنت بندر    لجنة الاستئناف ترفض احتجاج النصر    أخضر الشاطئية يخسر مواجهة إيران    1320 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    عيد جازان عطر وفطر وعروض شعبية    بيوت الطين بنجران وجهات المستكشفين والمهتمين بالتراث    «إثراء» للمجتمع انتماء    إطلالة على اليوم العالمي للمسرح    الداخلية.. منظومة متكاملة لسلامة وأمن ضيوف الرحمن    أمير القصيم يشكر خادم الحرمين على تسمية مستشفى شمال بريدة مستشفى الملك سلمان    الحناء.. زينة العيد    أمير مكة يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك    حديث "أبو شوشة" بعد زيارة أمير عسير لمبادرة تعليم محايل    محافظ محايل يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الفطر المبارك    رئيس بلدية سراة عبيدة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة حلول ⁧‫عيد الفطر‬⁩    بلدية وادي الدواسر تُكمل استعداداتها لعيد الفطر بتجهيز الميادين والحدائق    أمير منطقة نجران يهنئ القيادة بمناسبة عيد الفطر المبارك    الأمم المتحدة: «نقص حاد» في الإمدادات الطبية يعوق الاستجابة للزلزال في بورما    أمير القصيم يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك    برعاية سعودية.. سورية ولبنان تعيدان تعريف العلاقة    إقالة دوريفال جونيور من تدريب المنتخب البرازيلي    أمانة جدة تدخل موسوعة غينيس للمرة الثالثة    غداً الأحد.. عيد الفطر في السعودية والإمارات وقطر والكويت    خلال أسبوع.. ضبط 25 ألف مخالف للأنظمة    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    طلب من العراق بشأن مواجهة الأردن في تصفيات كأس العالم    "حوامة المنار" تحيي الموروث الشعبي بالبكيرية    إعلان قائمة المساجد والجوامع والمصليات لصلاة عيد الفطر بمنطقة جازان    تجمع الرياض الصحي الأول يحقق أرقاماً قياسية في ختام حملة "صم بصحة"    الأرصاد: أمطار رعدية غزيرة وسيول في عدة مناطق بالمملكة    روح العبادة بين الإخلاص والاستعراض    أبشر بالفطور تختتم أعمالها بتغطية محافظات الشرقية و توزيع ٥٠ الف وجبة    "الوطنية" ترعى توزيع مليون وجبة إفطار صائم للحد من حوادث الطرقات في رمضان    فعاليات العيد في الشرقية تبدأ بالألعاب النارية    إعلانات وهمية لتأجير المنتجعات والاستراحات    مركز الملك سلمان للإغاثة يتيح إمكانية إخراج زكاة الفطر عبر منصة "ساهم" إلى مستحقيها في اليمن والصومال    إنجازات جمعية سدانة للحج والعمرة في الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك للعام 1446ه    الفريق الفتحاوي يتفوق على العدالة بثنائية نظيفة في مباراته الودية الثانية    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    "الرياض" ترصد إدارة الحشود في ليلة 29    منصة "بصير" تعزز أمن وإدارة حشود المعتمرين والمصلين بالمسجد الحرام    المبادرة السعودية تنجح في إنهاء الخلافات السورية اللبنانية    أمانة الشرقية تزرع 5 آلاف شجرة و 10 آلاف وردة احتفاءاً بمبادرة السعودية الخضراء    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    "مستشفيات المانع" تُطلق أكثر من 40 حملة تثقيفيةً صحيةً خلال شهر رمضان المبارك لتوعية المرضى والزوار    حرائق كوريا الجنوبية ..الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد    سوزان تستكمل مجلدها الثاني «أطياف الحرمين»    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    









كيف هُزمت الحداثة؟
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 2009

لعل أهم ما أفرزته المجتمعات التي تتسم بالحداثة في تاريخنا المعاصر، كالمجتمعات الغربية – مثلاً – هو في كون الحداثة أصبحت سمة مميزة لها وليست مفهوماً إجرائياً اجتماعياً أو سياسياً أو تاريخياً، وإنما نمط
حضاري يختلف اختلافاً جذرياً عن الأنماط التقليدية التي تنتمي إلى الماضي البعيد فقط، وإن من لوازمها الأساسية في الفكر والاقتصاد والسياسة شيوع « العقلانية» التي قادت إلى التقدم العلمي والتقني، وكانت بمثابة الركيزة الفلسفية الأساسية لجميع الحركات الفكرية منذ عصر التنوير التي قامت عليها الدول الحديثة، فمنذ تحول طرق التجارة العالمية في السنوات الألف الميلادية إلى انتشار الفلسفة الرشدية في أوروبا ثم النتائج والآثار التي خلفها الاتصال والتواصل الغربي مع الشرق العربي فترة الحروب الصليبية، وكذلك التزايد السكاني واكتشاف القارة الأمريكية، وتدفق الثروات من المستعمرات واكتشاف الطباعة وانتشارها وحركة الإصلاح البروتستانتي، والنهضة الأوروبية بكل مظاهرها، وغيرها الكثير من العوامل التي تحققت منذ القرن 17م في أوروبا، بحيث أصبح مسمى «التحديث» مرادفاً لجميع المحاولات الرامية لتحقيق النماذج الغربية على كل ما ينشأ من محاولات استيراد أنماطها من المجتمعات الأخرى مثل مجتمعاتنا الإسلامية وردود الأفعال عليها، فمثلاً كانت القومية الاستبدادية في عالمنا الإسلامي قد حاولت إدخال العناصر التقنية للنجاح الأوروبي، خصوصاً في المجالات الحديثة والعسكرية من غير القبول بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي تُعد أحد أهم ردود الأفعال على الحداثة.
إن التاريخ يسطر داخل صفحاته الكثير من الشواهد على تمسك الأنظمة السياسية الإسلامية عبر مراحل تاريخها بما يُعرف بالدولة القومية التي نقلت النماذج الغربية للحداثة مع المحافظة على التقاليد الخاصة، وإن كان بعضها استند على أساس علماني وليس على أساس ديني، علماً بأن بعض تلك القوميات الإسلامية لم تستند وتطبق على تقاليد الأمة العربية تحديداً بل ارتبطت أيضاً بتقاليد غير عربية.
عندما حاول محمد علي باشا العمل على نهضة مصر وقيامها على أسس إصلاحية فإنه وضع بالفعل قاعدة تحديثية إصلاحية شملت الجيش والإدارة والجوانب المالية في مصر بغرض محاولاته المستمرة للاستقلال عن الدولة العثمانية في ذلك الوقت، كما كان سعيه للسيطرة على دول شرق المتوسط يهدف إلى محاولاته تأسيس إمبراطورية تقف أمام الدول العظمى والدولة العثمانية، الأمر الذي جعل بريطانيا تُسرع في التدخل بعد أن رأت محور اتصالها بالهند قد بات مهدداً فتم إنهاء تجربة محمد علي في معاهدة لندن 1840م.
أما بالنسبة لتركيا أثناء الحكم «الأتاتوركي» الذي كان يتسم براديكالية علمانية صارمة فإن جهود أتاتورك لإبعاد الدين عن السياسة والقانون والتربية لم تغير من تركيب السلطة وشرائح المجتمع التركي إلا بدرجة ضئيلة في ظل نشوء طبقة وسطى مدنية حديثة، فبقيت العناصر الجوهرية لقيادة الدولة الاستبدادية على حالها، الأمر الذي أعاق فيما بعد بروز طبقة سياسية قوية واثقة من نفسها، خصوصاً بعد الحرب الكونية الثانية، وبالتالي أدى ذلك إلى إعاقة محاولات التطويع بالتحديث الاجتماعي كافة وأعادها إلى الوراء في الوقت نفسه الذي تقدمت فيه تركيا نحو النجاح الاقتصادي والسياسي خصوصاً في ثمانينات القرن الماضي. ومثلما حدث في مصر وتركيا كانت إيران زمن الشاه «محمد رضا بهلوي» قد ارتبطت قوميتها التحديثية بمطالب الزعامة الإقليمية، إلا أن الشاه الذي رفض وقتها الدخول في نزاع وخلاف مع الغرب كانت لديه أطماع وطموحات عسكرية مثل احتلاله للجزر العربية في الخليج العربي، والإعداد لبرنامجه النووي الذي مزقته القوى الاجتماعية وضيقت فيما بعد الخناق على حكمه الملكي المطلق كشاهنشاه.
عالمنا العربي يحفل هو الآخر بالكثير من الشواهد التاريخية التي برزت كردود أفعال على سرعة اختراق الحداثة الغربية للحدود العالمية، وربما كان من أبرز تلك الشواهد يتمثل في ظهور الأصوليات الإسلامية بأسبابها ومعضلاتها داخل مجتمعاتنا العربية المسلمة، مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر التي تفرز أفكار قيادييها عن نتائج متناقضة تتأرجح ما بين المطالبة بتطبيق المبادئ الديموقراطية في الإسلام، في الوقت نفسه الذي تعلن فيه عن نفورها من نظام تعدد الأحزاب – على سبيل المثال – كما أن سياسة الإخوان التي تضع أساساً لقيام نشاط اجتماعي ضمن خطاب سياسي عريض، فهي في الوقت نفسه تؤسس لنقطة انطلاق باتجاه تحول حاد وأكثر استعداداً للعنف والفكر الأيديولوجي المتطرف، خصوصاً ضد الجوانب غير الإسلامية في الثقافة الإسلامية وليس ضد الغرب تحديداً «وهذا من المفارقات العجيبة في فكر الأخوان»، بل إن هذا التيار كان ولا يزال منذ تأسيسه يسعى إلى استخدام كل أساليب فتح الحوار مع الغرب في سبيل تحقيق أهدافه السياسية والاستراتيجية التي تمثل الأولوية بالنسبة لتوسيع سيطرة نفوذهم على العالمين العربي والإسلامي.
ورغم أن الكثير من الباحثين في تاريخنا المعاصر ينظر إلى الحركة الإصلاحية السلفية للشيخ «محمد بن عبدالوهاب» التي انتشرت داخل الجزيرة العربية وخارجها منذ القرن 18م على أنها من الأصوليات المتشددة التي سبقت بروز الثورة الخمينية الشيعية المتطرفة إسلامياً في إيران ومن دون النظر ودراسة الأسباب التاريخية التي دعت إلى ظهور هذه الحركة الإصلاحية في وقتها واستمرارها حتى وقتنا الراهن، فإن هذه الحركة الإصلاحية السلفية، ورغم النجاح الذي حققته عند ظهورها فإنها بدأت ومع التطور التاريخي الحديث للدولة السعودية
بشكل خاص وتغير أساليب الحياة الاجتماعية وتقدمها قد أصبحت تمثل صيغة محافظة متشددة، خصوصاً من جانب استمرارها على نهج التشدد نفسه فيما يتعلق بمحاولاتها الدائمة لغرس ثقافة الطاعة والخضوع – مثلاً –للقواعد الشكلية وغيرها حتى أصبح يُنظر إليها تاريخياً على أنها مثالية جداً لمن يرغب في المحافظة على مسافة معينة ما بين السلطة والمجتمع في الوقت ذاته الذي تحاول فيه عزل نفسها عن العالم الآخر من خلال تبريراتها التاريخية وتأصيل أفكارها إسلامياً في محاولات لعزل المجتمع عن كل وسائل وتقنيات وأساليب التحديث وفقاً لماضٍ تاريخي خاص من دون الاعتبار لمتطلبات العصر الذي نحيا فيه، أو محاولة لفهم أن الإسلام، الذي كان ولا يزال وسيستمر، قادر على التكيف مع كل زمان ومكان هو بحاجة إلى التكيف مع الحداثة.
* أكاديمية متخصصة في التاريخ المعاصر
Drbasirah-1966@hotmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.