حالة الارتباك التي تعيشها البلدان العربية مع مونديال كرة القدم، لا تعبر عنها كلمة أكثر من كلمة فوضى. الهرولة في اتجاهات متعدّدة، بل بالأدق متعاكسة باتت تحكم وتتحكّم، فالغالبية من «ذوي الدخل المحدود» يتجادلون في الطريقة الممكنة والأنسب لمشاهدة مباريات عرس الكرة العالمية بأقل التكاليف، ولكنهم يكتشفون في جدلهم أن مساحة خياراتهم محدودة، إن لم نقل أنها تنحصر في خيار وحيد هو شراء بطاقة قناة الجزيرة الرياضية. في الجدل ثمة هبوط حاد في شعبية «الدنجل»، أو قاهر التشفير الذي كان في المونديالات الماضية عوناً لذوي الدخل المحدود، فالكلُ متشكّك من قدرته هذه المرّة. الأبرز في الجدل كلّه أن الغالبية باتوا يقرّون - ولو على مضض - بعصر التشفير وقوانينه، ومع ذلك ثمة سؤال يراود الجميع ونسمعه في كل النقاشات التي تتناول المونديال والبث والتشفير وبطاقاته: ألم يكن ممكناً خفض سعر البطاقة في البلدان الأقل وفرة مالية؟ من تجاربنا في هذا المجال نعرف أن السعر المنخفض كفيل بخلق حالات إقبال واسعة على شراء البطاقات يتجاوز ما يمكن أن تحققه القناة الناقلة بهذا السعر الراهن، والذي يشكّل في أغلب البلدان العربية نسبة تصل إلى ثلث الراتب. ذلك ما تقوله تجارب شركات الاتصالات مثلاً، فتوزيع البطاقة بألف ليرة سورية فقط سيكون كفيلاً ببيع ما لا يقلُ عن مليون بطاقة، أي الحصول على مليار ليرة يستحيل توفيرها من بيع البطاقة بالسعر الراهن. نعتقد أن جزءاً مهماً من المسألة يكمن هنا بالذات: إحداث ثورة في عقلية التسويق، بما يخدم طرفي المعادلة، الشركة والمشاهدين معاً، على غير ما نعيش اليوم من ارتباكات ومن هرولة غير مجدية من المواطنين، ومن تشدُد لا يحقق للشركة الناقلة أيضاً مبتغاها الربحي المثالي. مجرد محاولة لإثارة النقاش من جديد في مسألة تثير الخلاف والمنازعات كل أربع سنوات، إذا لم ندخل في حساباتنا المسابقات الكروية الكبرى الأخرى، ومنها «كأس الأمم الأوروبية» و «دوري أبطال أوروبا» و «كوبا أميركا»، وكلّها مسابقات تحظى بإقبال عشاق الساحرة المستديرة، وحرصهم على متابعتها.