للمرة الثانية خلال أقل من ربع قرن، صوّت البرلمان البرازيلي لمصلحة عزل رئيس مُنتخب ديموقراطياً، ما قد يطيح الرئيسة ديلما روسيف ويُنهي مسيرة حزبها اليساري في الحكم بعد 13 سنة شهدت إنجازات كثيرة، لكن البلاد تعاني الآن أزمة سياسية واقتصادية مستفحلة. وتعهد معسكر روسيف مواجهة عزلها، وسط انقسام عميق واستقطاب متزايد، علماً أن اتهامات بالفساد تطاول الحكومة ومعارضيها، وذلك قبل أشهر من استضافة مدينة ريو دي جانيرو دورة الألعاب الأولمبية الصيفية. وبغالبية 367 في مقابل 137 صوتاً، أقرّ البرلمان إجراءات إقالة الرئيسة، وأحالها على مجلس الشيوخ الذي يمكنه التصويت بالأكثرية البسيطة لمصلحة إقالتها، من أجل توجيه التهمة إليها رسمياً بمخالفة قوانين الموازنة، وإقصائها عن الحكم في انتظار صدور حكم نهائي في حقها. وسيحلّ مكانها نائبها ميشال تامر. وموعد التصويت في المجلس ليس معروفاً، ولكن يُرجّح أن يتمّ بحلول منتصف الشهر المقبل، علماً أن وسائل إعلام أوردت أن 45 من الأعضاء ال81 في المجلس، سيصوّتون لعزل روسيف. وبعدما نجحت المعارضة في الحصول على غالبية الثلثين (342 نائباً) اللازمة لبدء محاسبة الرئيسة، حمل عشرات من النواب زميلهم الذي أدلى بالصوت الرقم 342، وأدوا نشيد مشجعي منتخب كرة القدم خلال مونديال 2014 «أنا برازيلي بكثير من الفخر وكثير من الحب». وشهدت جلسة البرلمان التي دامت 6 ساعات، مشادات وشتائم، إذ تحدث نواب اليمين عن «تطهير البلاد من الفساد» والتخلّص من «حكومة لا تتمتع بالأهلية تقود البرازيل إلى خراب». وعلّق النائب اليساري المتطرف جان ويليس، واصفاً هؤلاء ب «الحثالة»، وزاد: «أشعر بالعار من مشاركتي في مهزلة هذا الانتخاب غير المباشر الذي يقوده لص (في إشارة إلى رئيس البرلمان إدواردو كونا) ودبّره خائن متآمر (تامر) ويدعمه جبناء وأميّون سياسيون وأشخاص باعوا أنفسهم». وتتهم المعارضة روسيف بالتلاعب بالحسابات العامة عام 2014 لتسهيل إعادة انتخابها، علماً أن ما فعلته هو ممارسة شائعة في البرازيل. واعتبر زعيم التكتل النيابي لحزب العمال الحاكم جوزيه غيمارايش، أن نصر «الانقلابيين» في البرلمان «لا يعني خسارة الحرب»، وأضاف: «المعركة ستستمر في الشوارع وفي مجلس الشيوخ». وذكّر جوزيه إدواردو كاردوزو، مدعي الدولة الذي يدافع عن روسيف، بنضال الأخيرة خلال حكم الديكتاتورية العسكرية، قائلاً: «هذا التصويت يشكّل فضيحة. ستكافح من أجل ما ناضلت دائماً لتحقيقه، أي الديموقراطية ضد الديكتاتورية». المفارقة أن الرئيسة ليست مُتهمة بالفساد الذي يطاول حكومتها وراعيها الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. لكن معارضيها مُتهمون بالفساد أيضاً، وعلى رأسهم تامر وكونا، اللذان ورد اسمهما في فضيحة شركة «بتروبراس» النفطية المملوكة للدولة. وأفادت منظمة مراقبة معروفة في البرازيل، بأن أكثر من 300 نائب يخضعون لتحقيقات في فساد أو تزوير أو جرائم انتخابية. ويأتي التصويت في البرلمان بعد 24 سنة على بدء المجلس إجراءات لعزل الرئيس الراحل فرناندو كولور دي ميلو، أول رئيس مُنتخب في البرازيل بعد الحكم العسكري، لاتهامه بالفساد.