تنورين بلدة في جرود مدينة البترون اللبنانية، ترتدي حللاً قشيبة فتلبس لبوساً أثرية وتراثية وسياحية وبيئية وزراعية. ولعل باطن الأرض في تنورين هو ما يضج بالحياة، من حيث اختزانه الكنز الأزرق أي الثروة المائية، ما ساهم في نشوء غابة أرز وارفة تضاهي أماكن تجمع أرز لبنان في الباروك والمعاصر في الشوف (جبل لبنان) وبشري (شمالاً). لدى صعودك إلى المنطقة، وتحديداً إلى جردها، تعتريك الرهبة بفعل مشهدية الجبال العاصية الجرداء التي تقارع السماء بتلالها المكللة ببياض الثلج. تقع تنورين في محافظة لبنان الشمالي، وترتفع عن سطح البحر بين 850 و2850 متراً، وتبعد عن بيروت 85 كيلومتراً. تتمتّع المنطقة المحيطة بالمحمية بجمالات طبيعية تسحر قلب الزائر وروحه، فتبقى محفورة في وجدانه ذكريات حلوة ترافقه مدى الحياة. ففضلاً عن الغابة البديعة الجمال والتي تعتبر محمية، هنالك ما يميز المنطقة وهي «البواليع»، أهمّها وأضخمها بالوع بعتاره (بلعا) أو بالوع الجسور الثلاثة، وهو معلم طبيعي يقع في أعالي جرود البترون وعمره آلاف السنين. ويعتبر عنصر جذب لبلدة تنورين، فيقصده المهتمون والمستكشفون والسيّاح بكثافة، خصوصاً في فصلي الربيع والصيف وفي نهاية كل أسبوع. في منطقة بلعا القريبة من اللقلوق، وفي «قصر» لا تتعدى مساحته كيلومتراً مربعاً واحداً، يقع بالوع الجسور الثلاثة، ويبدو مكانه في منخفض مهم تحف به أشجار معمرة عملت فيها عوامل التعرية فاتخذت أشكالاً متمايزة لافتة. منابع مياه البالوع هي من تجمّع ينابيع اللقلوق وبعتاره وبلعا ومن ذوبان الثلوج في فصل الشتاء. ويمتد البالوع على بعد كيلومترين من اللقلوق، ويتكون من أربع هوّات يبلغ عمقها 255 متراً، وتخترقها جسور صخرية طبيعية متراكبة الواحد فوق الآخر. في بعض شهور السنة، يصبّ في هوة البالوع الرئيسية شلال من المياه الغزيرة ارتفاعه 90 متراً، ثم يتفرّع في الدهاليز السرية. أمّا الهوّات الثلاث الباقية فهي شديدة التعقيد وتحتوي على سراديب وبرك وهوّات متفرقة وقاعات مغمورة بالمياه، متشابكة في بعضها ومنفصلة في بعضها الآخر. وفوق الجسر الأوسط للبالوع «محبسة» هي عبارة عن هوّة ومغارة معاً طولها 15 متراً وعمقها 61 متراً. التكوّن الطبيعي لفوهة البالوع عمره نحو 150 مليون سنة، وهو بالوع حيّ لا تزال المياه تجري منه، بخلاف بالوع جورة العبد المجاور له. وقد ثبت بالاختبار العلمي اتصال مياهه بنهر مللّي في بلدة كفرحلدا. يمكن لأي زائر أن يقصد بالوع بلعا بسبب سهولة التضاريس المحيطة به، ليقف أمام مشهد ينعقد له اللسان بالفعل. أنت أمام مشهد يسبّح الخالق، بالوع من ثلاث فوهات لا بل طبقات. وهنا بالذات تترك لمخيلتك أن تجري على سجيتها. ترى ما قيمة هذه المشهديات سياحياً وعلمياً وتاريخياً، وكيف ستكون حالها لو استفيد منها لجذب السياح من لبنان وخارجه؟ وما أهمية ذلك بالنسبة إلى هذه المنطقة الجردية الجبلية البعيدة؟ ويقع شمال بالوع بعتاره على مسافة حوالى 300 متر، بالوع آخر يدعى بالوع جورة العبد، عمقه الإجمالي 244 متراً ويتميز بسعته وكثرة تعقداته الكلسية وجمال المناظر في داخله. وهناك أيضاً بالوع المغراق الذي يتمتع بهوة واسعة عمقه 55 متراً وله منحدر بطول 100 متر وهوة صغيرة بعمق 25 متراً وسرداب بطول 70 متراً. إلى جانب ذلك، هنالك أيضاً بالوع عين رومة التي كانت تدعى عين الرامة، وهي مستنقع تتجمع فيه المياه. والبعض يعتبر هذه العين بالذات عجائبية، بسبب وجود هوّة صغيرة تجاور حوض ماء وتتصل به عبر فتحة صغيرة، فإذا ما استخرج منها الماء، عادت وامتلأت من جديد. ومن المهم الذكر أن بالوع تنورين حاز المركز الأول في مسابقة أجمل 10 أماكن طبيعية في العالم على موقع 9 gags، في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وجاء الترتيب على هذا الشكل: 1 - شلالات بالوع تنورين في لبنان. 2 - الحديقة الوطنية في «أبيسكو» – السويد. 3 - مغارة الرخام في تشيلي. 4 - الحديقة العامة ذات الأراضي الوعرة جنوب داكوتا. 5 - غابة الأحجار في مدغشقر. 6 - نصب الوادي في الولاياتالمتحدة الأميركية. 7 - الحديقة العامة الأولمبية في واشنطن. 8 - شلالات غودافوس في أيسلاند. 9 - الحفرة الزرقاء العظيمة في بليز. 10 - النفق الأزرق في أنترتيكا. والجدير ذكره أنه، وتحت عنوان «ريد بُل آفاتارا» (تيمّناً بالفيلم «آفاتار»)، نجح الرياضي النمسوي النيبالي العالمي في تسلق بالوع بعتارة الشاهق من أسفله وحتى القمة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وتمَّت عملية التسلق الفريدة خلال زيارة لاما الأولى لبلاد الأرز، حيث التقى المتسلق المحلي جاد خوري الذي أطلعه على أسرار هذا الموقع الاستثنائي وتاريخه. ولم يكن لاما يحتاج إلى القوة الجسدية فحسب لتسلق البالوع، إنما إلى مهارات في رسم مسار استراتيجي لإنجاز المهمة الصعبة في معلم طبيعيٍ ضخم كهذا. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة تضم مطاعم ومرافق سياحية ومتنزهات مهمة، تستفيد من غناها بالماء وبالطبيعة الغنّاء والمناظر العذراء.