لم تتمكن موسكو من إقناع طهران بأن تكون شريكاً، من خلال حليفها «حزب الله»، في الجهود الرامية إلى تسهيل انتخاب رئيس جديد للبنان. وتذرعت القيادة الإيرانية في تبرير موقفها، بأنها لا تستطيع طلب ذلك من الحزب طالما أنه مدرج على لائحة الإرهاب، ويتعرض مؤيدوه إلى مضايقات في عدد من الدول العربية، إضافة إلى العقوبات المالية المفروضة على عدد من رجال الأعمال اللبنانيين بذريعة ارتباطهم به. وعلمت «الحياة» من مصادر ديبلوماسية غربية، أن المحاولة التي قامت بها موسكو جاءت عبر إيفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نائبَ وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في مهمة خاصة إلى طهران بناء على إلحاح الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا التي تبدي قلقها من استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية في لبنان وتداعياته على المسيحيين فيه. وكشفت المصادر نفسها عن أن بوغدانوف التقى لهذا الغرض مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان، وقالت إن موسكو تستجيب لرغبات القيادات اللبنانية في التدخل لتذليل العقبات التي ما زالت تعيق انتخاب الرئيس بعد مرور عامين على شغور سدة الرئاسة. ولفتت إلى أن موسكو حريصة على الإسراع في انتخاب الرئيس، وهذا ما أكده بوتين لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري عندما التقاه في قصر الكرملين في موسكو، وقالت إن الزعيم الروسي أبدى تفهمه للأخطار والمخاوف التي طرحها الحريري نتيجة تعذر انتخاب الرئيس. ورأت المصادر عينها أن لموسكو وجهة نظر حيال ضرورة ملء الشغور الرئاسي قد تختلف عن رؤية طهران التي لها مصالح حيوية في المنطقة، وتحديداً في سورية، وبالتالي فهي تسعى لحث القيادة الإيرانية على ضرورة مشاركتها في إعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية في لبنان، لما لرئيس الجمهورية من دور فاعل في هذا المجال، إضافة إلى أن انتخابه يدعم الاستقرار ويفتح الباب لتوفير حلول للمشكلات السياسية الأخرى ويدفع في اتجاه تحريك عجلة الاقتصاد الذي يمر حالياً في ركود قاتل. وأوضحت أن موسكو تتواصل مع طهران، لكنها لا تستطيع الضغط عليها لتسهيل انتخاب الرئيس في بلد هو الوحيد في المنطقة الذي يرأسه رئيس مسيحي، وبالتالي لا بد من مراعاة هذه الخصوصية والحفاظ عليها. واعتبرت أن موسكو عندما قررت التدخل العسكري في سورية، انطلقت من أن هناك ضرورة لمنع المجموعات الإرهابية، وأولها «داعش»، من السيطرة عليها وقطع الطريق على ارتماء النظام في سورية في أحضان إيران. وأضافت أن موسكو لا تؤيد تحالف الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وتصر على بقاء سورية دولة واحدة موحدة لا مجال لتقسيمها دويلات، وأن هناك حاجة للبدء في مفاوضات مباشرة بين النظام السوري وبين المعارضة للاتفاق على تنظيم المرحلة الانتقالية التي لا بد من أن تشهد انتخابات رئاسية وقد تكون مبكرةً، ومن حق الرئيس بشار الأسد الترشح وإنما في ظل وجود رقابة دولية مشددة في داخل سورية وأخرى في أماكن تواجد النازحين في دول الجوار. واعترفت المصادر الغربية بأن مصير الأسد يشكل نقطة اختلاف بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، وأوحت في المقابل بأن التدخل الروسي ضيّق الخناق على إيران وأفقدها الموقع الذي تستطيع من خلاله أن تملي شروطها بخصوص التسوية في سورية، وهذا ما يفسر إصرارها على الإمساك بورقة لبنان ليكون الحل فيه على قياس مستقبل التسوية في سورية. وقالت إن طهران لم تنقطع عن إبلاغ من يزورها أو يحتك بها، أنها لا تتدخل في الشأن الرئاسي وأن هذا الموضوع عند «حزب الله». ورأت أنها بموقفها هذا، تحاول تبرير عدم تدخلها، مع أن المجتمع الدولي يدرك أهمية دورها في تسهيل انتخاب الرئيس. وفي هذا السياق، أشيع أخيراً وجود تأفف لدى بعض المسؤولين في «التيار الوطني الحر» من مواصلة «حزب الله» حملاته الإعلامية والسياسية على دول الخليج العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، لما يترتب عليه من أضرار مالية واقتصادية تلحق باللبنانيين المقيمين في هذه الدول، في مقابل المحاولات التي يقوم بها الحزب لإقناع حليفه العماد ميشال عون بضرورة التفكير ملياً في أن يكون لديه «خطة ب» في حال تعذر انتخابه رئيساً. وعلمت «الحياة» من مصادر في قوى 8 آذار أنه لم يبق في الميدان الرئاسي إلى جانب عون سوى «حزب الله» إضافة إلى تبني رئيس حزب «القوات اللبناني» سمير جعجع ترشحه للرئاسة. وأكدت هذه المصادر أن حلفاء عون القدامى في «8 آذار» الذين انحازوا أخيراً لمصلحة دعم ترشح زعيم «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، بدأوا يتذمرون منه ويعتبرون أن لا جدوى من استمراره في الترشح طالما أن الكفة النيابية ما زالت راجحة وبامتياز لمصلحة منافسه. وكشفت أن مجرد نزول فرنجية إلى البرلمان بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس جديد سيدفع بالنائب طلال أرسلان ونواب الحزبين «السوري القومي الاجتماعي» و «البعث» الموالي للنظام في سورية، إلى التضامن معه. وقالت إن هؤلاء النواب كانوا أبلغوا أكثر من مسؤول سوري موقفهم بالعزوف عن مقاطعة جلسات الانتخاب، خصوصاً وأن استمرار عون في الترشح سيدفع في اتجاه إطالة أمد التمديد للفراغ في الرئاسة. ونقلت المصادر عن قطب نيابي قوله: «لن أدخل في سجال مع عون على خلفية ما سماه ب»ضرب الميثاقية والشراكة» لأنه يستحضرهما من حين لآخر لشعوره بأن حظوظه الرئاسية من تراجع إلى آخر. لكن التاريخ سيسجل له تأخير انتخاب الرئيس لعامين عندما أعلن حرب التحرير على سورية ومن ثم حرب الإلغاء ضد «القوات اللبنانية». واليوم سيكتب له أنه وراء إعاقة انتخاب رئيس جديد». ولفت القطب نفسه إلى أن عون الذي يقود الحملات ضد الفساد وهدر المال العام، يتجاهل في الوقت ذاته حجم التوظيف لمحازبيه في وزارتي الاتصالات والطاقة، واليوم في الخارجية، التي يكثر فيها عدد المستشارين من خارج الملاك، ناهيك بالإنفاق المالي لتغطية نفقات سفر وزير الخارجية جبران باسيل إلى الخارج، مع ان لا ضرورة لبعض رحلاته. لذلك، هناك من يعتقد أن انتخاب الرئيس لا يزال في إجازة، وأن طهران تتريث في التدخل لتسريع انتخابه إلى حين تبيان معالم التسوية للحرب الدائرة في سورية، لتبني على الشيء مقتضاه، أي أن تستعيض عن فقدانها بعض نفوذها في سورية، بتحسين شروطها في لبنان من خلال «حزب الله»، لأن القيادة الإيرانية تدرك تماماً أن روسيا لن تسمح لها بأن تأكل من صحنها في المنطقة، أي من الحصة التي تحمي مصالحها فيها.