ألقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بثقله على ملف جزيرتي تيران وصنافير، مؤكداً أنهما «سعوديتان. وأن مصر لا تبيع أرضها لأحد كما أنها لا تعتدي على أرض أحد». وحمل السيسي خلال لقائه أمس ممثلي المجتمع المصري على التناول الإعلامي والإضرار في ملفي «سد النهضة» ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، واستفاض في الحديث عن التحديات التي تواجه البلاد ومحاولات عزلها وتفكيكها، واستبعد ضمنياً عقد مصالحة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، مشدداً على أن «ما عرض عليهم قبل عزل الرئيس السابق محمد مرسي لن يستطيعوا الحصول عليه في المستقبل أبداً». وكان السيسي التقى أمس عدداً من ممثلي المجتمع المدني والنواب والكتاب والصحافيين، في لقاء بثه التلفزيون المصري على الهواء مباشرة في خطوة هي الأولى من نوعها، حيث بدا أن الرجل يسعى إلى الرد على الجدل الحاصل في المشهد السياسي المصري خلال الأسابيع الأخيرة في ملفات عدة لا سيما جزيرتي تيران وصنافير، بالإضافة إلى مقتل الباحث الإيطالي، وملف الحريات. واستهل السيسي حديثه بالتحديات التي تواجه مصر، منبهاً إلى أن الاستقرار والأمن اللذين تعيشهما البلاد «لا يجب ان ينسيانا التحديات التي تواجهنا... نعيش أصعب ظروف تواجه الوطن في تاريخه المعاصر»، قبل أن يشدد مجدداً على ضرورة الحفاظ على «تماسك التركيبة المصرية»، وأكد أن الجيش المصري «هو جيش المصريين ولن يكون جيشاً لفصيل بعينه»، مشيراً إلى أن الجيش إذا خرج على أي رئيس «سيقف الجيش مع أصحاب البلد: شعبها». وقال: «مصر الدولة الوحيدة التي لم يتمكن أحد من تفكيكها، لكن أحد أهم أسباب صلابة مصر وحدة الجيش والشعب باستثناء فئة»، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي استبعد بشدة عقد مصالحة معها، لافتاً إلى أن «ما تم تقديمه إلى جماعة الإخوان المسلمين في بيان عزل مرسي الذي صدر 3 تموز (يوليو) العام 2013، أتصور أنهم لن يستطيعوا الحصول عليه أبداً، قدمنا لهم محاولة لإعادة دورة جديدة للعملية السياسية بمشاركة كل الأطراف، ونحتكم للشعب في الاختيار مجدداً، لكنهم رفضوا». وأكد رفض مصر التدخل العسكري في ليبيا، وقال: «في ظل ظروفنا الاقتصادية الصعبة كان يمكن أن نتخذ أفكاراً شريرة، بالقفز على بلد والحصول على خيراتها. وفي ظل ظروف سانحة كان من الممكن أن نعتدي على دولة أو نثأر لقتلانا في سرت»، في إشارة إلى الأقباط الذين ذبحهم «داعش» في ليبيا. وأضاف: «لكننا لا يمكن أن نعتدي وندخل على أشقائنا ونستبيح أرضهم. لا نطمح في خيرات الآخرين. نحن لا نبيع أرضنا لأحد لكننا أيضاً لا نعتدي على أرض أحد». وتطرق السيسي خلال اللقاء إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية والذي تم على هامش زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقال: «نحن لم نفرط في حقنا، وأعطينا للسعوديين حقهم»، ولفت إلى أن «هناك فجوة بين تعاطي الدولة مع الملفات وتعاطي الأفراد، هذا الموضوع لم يكن يطرح في الماضي حتى لا يؤذي الرأي العام في البلدين، كانت هناك ظروف سياسية وأمنية سواء عندما تولت مصر مسؤولية الحفاظ على تلك الجزر من أن تسقط، وتداعيات ما جرى في العام 1967، ثم عقد اتفاق السلام، ثم هل كان من المناسب عقب السلام ان يتم طرح تلك القضية ويكون لا يزال هناك حساسيات». وأوضح أنه «بتحديد الحدود لم نخرج عن القرار الجمهوري الذي صدر العام 1990 والذي تم إيداعه في الأممالمتحدة. النظام السابق عمل على ترسيم الحدود بناء على مطالبات من السعودية بأهمية استعادة الجزر. علينا أن نعمل على ألا تحدث ردود أفعال وأزمة مع السعودية». ودافع عن عدم الإعلان عن الملف قبل توقيع الاتفاقيات، مشيراً إلى أنه «لو كان تم الإعلان عن تلك القضية كنا سندخل في هذا الجدل على مدى الأشهر الماضية. أعلنا أن اللجنة التنسيقية المشتركة ستقوم بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ولو كنا أعلنا عن اتجاه للاتفاق على الجزر كان سيتسبب تناولنا الملف في أذيتنا». وأضاف: «لم نكن ندير أزمة مع السعودية، بل كنا نبحث إرجاع أرضها، ونرفض الدخول في مشاحنات لأن الهدف عزل مصر. نحن حريصون على إعطاء الحقوق لأصحابها». مشيراً إلى أن «الأرشيف السري لوزارتي الخارجية والدفاع بالإضافة إلى جهاز الاستخبارات تؤكد أن الجزيرتين سعوديتان. واللجان الفنية المتخصصة عقدت 11 جلسة عمل. كما أننا سألنا كل الخبراء ومن لهم صلة بالملف»، مؤكداً أن البرلمان المصري سيناقش الاتفاقيات مع السعودية قبل تمريرها. ورفض السيسي ما طرحه البعض بأنه كان من الضروري الكشف عن الملف خلال مرحلة لاحقة، مشيراً إلى ضرورة «أن ننظر في الاعتبار إلى وجهة النظر السعودية، وأن الحكام هناك يبحثون عن حق بلادهم». ولفت إلى أن تعيين الحدود مع السعودية «سيتيح لنا التنقيب عن الثروات في مياهنا الاقتصادية، وهو ما كان لا يمكن في الفترة الماضية طبقاً للقواعد الدولية». مشيراً إلى أنه «تم تعيين كل الحدود البحرية بيننا وبين السعودية من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال»، لافتاً إلى أنه «عندما تم تعيين الحدود مع قبرص أتاح لنا التنقيب عن الغاز في حدودنا وهو ما أظهر حقل ظهر. والآن يجرى تعيين الحدود مع اليونان». وحمل السيسي مجدداً على التناول الإعلامي الذي سبب اضراراً في ملف سد النهضة: وقال: «لم يكن التعاطي الإعلامي مع ملف سد النهضة في مصلحتنا أبداً، لكن بما أنكم تعيشون داخل تلك الحالة لا تعلمون حجم الإيذاء الذي يتسببه تناول بلا حدود وبلا ضوابط. لو كان تم طرح ملف الجزيرتين كان سيتم الإضرار في المحادثات. العالم في الخارج يعتقد أن أجهزة الإعلام تنقل رسائل الأجهزة الرسمية». كما وجه اللوم إلى المصريين الذين حمّلوا أجهزة الأمن مسؤولية قتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وهو ما تناولته وسائل إعلام مصرية، وأدى إلى تشكك الجانب الإيطالي في الروايات المصرية الرسمية. وأكد أن الجانب الإيطالي «مدعو للمشاركة في تحقيقات القضية التي تجري بشفافية من خلال النائب العام المصري وقضاء مصر». قبل أن يحمل على «أهل الشر» مسؤولية قتل ريجيني، ووجه حديثه إلى الإعلاميين قائلاً: «لا يجب أن تكون مصادركم هي شبكات التواصل الاجتماعي من دون بحث ودراسة»، وأضاف: «نحن من صنعنا أزمة الشاب الإيطالي لمصر». وأكد أن السلطات في مصر تولي ملف مقتل ريجيني «اهتماماً كبيراً لأن بيننا وبين إيطاليا علاقات جيدة جداً، والقيادة الإيطالية وقفت بجانب مصر منذ أول يوم». وفي شأن ملف الحريات وحقوق الإنسان، شدد السيسي على «ضرورة التعاطي مع هذا الملف في شكل شامل، بحيث يتم النظر إلى الحق في التعليم والصحة والسكن. القضية في مصر أكبر من مجرد حرية الرأي والتعبير المكفولة». وأشار إلى أن السلطة المصرية تسعى إلى «التوازن بين الإجراءات الأمنية وحقوق الإنسان».