بعد أن تم ضرب السفن التي كانت متجهة إلى غزة لم يفوت بعض المجاهدين «بالبشوت والكلام ودهن العود» فرصة إصدار بيان يدعو إلى الجهاد حتى يتم تحرير كامل أرض فلسطين، وكأن الأمة كانت مستعدة وتنتظر من يأذن لها بالانطلاق. كانت ألقاب موقعي البيان التي سبقت الاسم تتراوح من «فضيلة الشيخ الدكتور» إلى «فضيلة الشيخ»، أما التي أعقبت الاسم فقد شملت «داعية» و«إمام جامع» و«كاتباً إسلامياً» وخلافها من الألقاب التي يحرص هؤلاء القوم عليها، ولفت انتباهي ان من بين الموقعين «حدث» في ال20 من عمره وصف نفسه بألقاب لم يتشرف بها كبار علماء الأمة الإسلامية. تخيلت حالهم وهم يوقعون على البيان فتراءى لي أحدهم يتجشأ بعد وجبة دسمة، والآخر يتهيأ لزواج «مسفار» أو«زواج دعوي» - نسبة إلى الزواجات التي شاع أمرها أخيراً خارج المملكة في فترة الصيف - فأيقنت أن فتنة الإعلام والأضواء تمكنت من هؤلاء القوم بشكل لا فكاك منه. لا أحد يعترض على استنكار ما حدث فكلنا تألم لما جرى، ولكن الاعتراض على «الدعوة إلى الجهاد» وكأنهم لا يعلمون ما سببته أمثال هذه الدعوات ولا تزال من مصائب تترى على شباب هذا الوطن. أعرف شخصياً أحد الآباء المكلومين فقد أعز أبنائه في أفغانستان وما زال يبكي دماً عليه، إذ يقول إنه يشعر بغضب شديد وبرغبة عارمة في الانتقام كلما رأى ذلك الواعظ الذي غرر بابنه حينها وهو يبدو كطاووس منتفشٍ تفوح منه روائح العود ويجالس علية القوم ويركب أفخم السيارات ويتزوج النساء ويعرف الجميع أنه من أصحاب الثروات الطائلة، ولا يزال - على رغم كل فضائحه - يتاجر باسم الدين: فبين كل فينة وأخرى يطلق تصريحاته المعتادة ضد «التغريبيين» الذين يقول ذلك الوالد المكلوم إنهم لم يتسببوا بموت أحد ولم يجلبوا الحزن والأسى لأي أسرة. وهناك والد آخر كاد يفقد ابنه في العراق بسبب واعظ آخر اشتهر برفع عقيرته وهو رافعاً يده اليمنى ويردد: «نحن الذين فتحنا الدنيا»، مع أن الفتح الوحيد الذي عرف عنه هو ذهابه إلى منتجعات أوروبا وأميركا مكفولاً بحجة العلاج مرة والترويح عن النفس مرات أخرى. ولك أن تقيس على هؤلاء كل دعاة الجهاد من أتباع الإسلام الحركي الذين لا يهمهم ان يفقد الوطن احد شبابه، أو أن تترمل امرأة، أو تتحطم أسرة ما دام أبناؤهم بخير يدرسون في أفضل الجامعات ويعالجون في أفضل المستشفيات، وما دام مخططهم الأممي يسير على ما يرام. توقفت مع هذا البيان عند نقطة مهمة تتعلق بإصرار الموقعين عليه – مثل غيرهم من الإسلامويين - على استخدام الألقاب وتضخيم الذاوات، خصوصاً لقب «دكتور»، وهو كما نعلم لقب غربي الولادة والمنشأ وبالتالي فهو لقب اخترعه الكفار، ولا أدري لماذا الإصرار عليه مع أن في هذا تشبهاً واضحاً للعيان بمن ندعو الى محاربتهم بشتى السبل. وأقول لموقعي هذا البيان إنه يتوجب عليكم قبل الدعوة إلى الجهاد في الخارج أن تجاهدوا أنفسكم وتتفكروا في ما سببتموه لهذا المجتمع المسالم من مآسٍ لا تعد ولا تحصى على مدى ثلاثة عقود حتى أصبح الولد عدواً لأبيه والأخ يشك في أخيه، هذا عدا الآلاف ممن قتلوا في معارك لا علاقة لهم بها لولا شحنكم لهم وإصراركم عليهم بأن هذا من أوجب الواجبات، في الوقت الذي كنتم حريصون كل الحرص على أن تبقوا وفلذات أكبادكم بعيدين عن أزيز المعارك تتمتعون بأجود ما تنتجه الحضارة الغربية الكافرة. وختاماً - ومن هذا المنبر الحر - لكم وعد مني أن أكون بصحبتكم متى ما قررتم أن تذهبوا أو تسمحوا لأي من أبنائكم الأعزاء جداً أن يذهبوا إلى الجهاد شريطة أن يأذن لي ولي الأمر بذلك، لأن هذا أهم شروط الجهاد، أليس كذلك؟! [email protected]