حين يطل المذيع ليقدم ضيفه الشاعر يعتقد المشاهد أن صاحب المديح التقديمي الذي قيل للتو، لن يكون أدنى مستوى من المتنبي، وحين يطل ليقدم ضيفه الروائي يخال المشاهد أن من سيظهر له على الشاشة بعد هذا الإطراء هو ديستوفسكي، أو نجيب محفوظ على أقل تقدير، وحين يستهل البرنامج بنبذة عن ضيفه المسرحي يعود المتلقي بتفكيره إلى شكسبير، وعندما يكون المعنيُّ مخرجاً سينمائياً يحار المرء في أن المقصود ربما يكون برغمان أو كوروساوا أو بازوليني، وعندما يكون مطرباً فلا أقل من عبد الحليم حافظ أو عبد الوهاب، ولو كان ممثلا فهو مارلون براندو أو انتوني كوين...!! ما سبق ليس دعابة، بل إن ما يفرض مثل هذا القول الذي ينسحب، كذلك، على الرياضي والاقتصادي والموسيقي، والتشكيلي، والناقد... الخ، هو أن مقدمي ومعدي البرامج يسترسلون في المديح والإطراء دون أي اعتبار، ودون مراعاة ما إذا كانت هذه الألقاب والصفات تنطبق على ضيفهم أم لا. فهم يفتشون في قواميس اللغة العربية لاختيار أكثر المفردات علواً ونبلاً وينسبونها إلى الضيف الذي يخفي ابتسامة الزهو والخيلاء، وربما تساءل في سره، قبل ظهوره بثوان على الشاشة، من المقصود؟ يحق لمسؤولي الفضائيات أن يهتموا بضيوفهم، وان يحجزوا لهم على خطوط الدرجات الأولى، وفي الفنادق الفخمة، وأن ينظموا لهم برنامجاً مسلياً باذخاً في هذه العاصمة أو تلك، وتوجيه المديح لهم في الجلسات البعيدة من العدسة... كل ذلك مقبول إلى أن يصل الأمر إلى الاستوديو ومن ثم الشاشة، عندئذ، وأمام ملايين المشاهدين، تصبح الكلمة «مسؤولية»، وتغدو الجمل والعبارات بمثابة «وثيقة بصرية». هذه الوثيقة وتلك المسؤولية تفرضان نبرة مختلفة؛ معتدلة تعطي الضيف حقه وفقاً لمنجزه، وإسهاماته في هذا الحقل الإبداعي أو ذاك. لكن ما نسمعه في غالبية البرامج هو «قصائد عصماء» تمجد الضيف، وتثني على سجاياه بمعزل عما إذا كانت هذه المجاملات والمبالغات تمثل حقيقة الضيف أم لا. هو، إذا، نوع جديد من التضليل تهدف هذه الفضائية أو تلك من ورائه إلى إشاعة انطباع مضلل بأنها تتمتع بأهمية كبرى، والدليل أنها تمكنت من استضافة هؤلاء الضيوف ذوي «المستوى الرفيع»!، غير أن المشاهد سرعان ما يكشف الخدعة عندما يرى ركاكة كلام الضيف، وسقوطه أمام امتحان الشاشة، كل بحسب اختصاصه! ثمة من يستحق مديحاً بهذا القدر أو ذاك. لكن، في جميع الأحوال، لا ينبغي وضع الجميع في «سلة ذهبية واحدة»، ولو انتظر المذيع المدّاح إلى نهاية الحلقة، من دون التلقين الاستهلالي المفرط في تلميع صورة الممدوح، لعرف المشاهد المكانة الحقيقية التي يستحقها الضيف!