شكلت الهجرة ومعاناة المهاجرين في ديار الغربة موضوعاً أثيراً في السينما المغربية، إذ تطرقت إليها مجموعة من الأفلام المغربية، محاولة من خلال القضايا التي تناولتها رصد هذه الظاهرة الاجتماعية وتفكيك البنيات المتحكمة فيها، سواء على مستوى الأفراد، أو حتى على مستوى المجتمعات المرسلة أو المستقبلة لها. من بين هذه الأفلام التي استطاعت أن تخلف بعض الأصداء سواء بالنسبة الى الجمهور أو للنقد الفني، فيلم «هنا وليه» للمخرج محمد إسماعيل، وفيلم «خيول الحظ» للمخرج الجيلالي فرحاتي، وفيلم «إسلام يا سلام» للمخرج سعد الشرايبي وأخيراً فيلم «المنسيون» أو «منسيو التاريخ» بحسب عنوانه الفرنسي، للمخرج حسن بنجلون الذي لا يزال يعرض حالياً في القاعات المغربية، وهو من الأفلام التي تم تقديمها هذا العام. ينبني هذا الفيلم شأن كل أفلام المخرج بنجلون على قصة محكمة الصنع تتميز بالبداية والنهاية، وتصاعد الحبكة الدرامية، ما يجعل منه فيلماً قابلاً للمشاهدة من مختلف الشرائح الاجتماعية، بكل مستوياتها التعليمية. وهو إلى هذا فيلم يتميز ببعده الاجتماعي الذي يركز على ظاهرة الهجرة إلى أوروبا من لدن الشباب سواء العربي أو الإفريقي أو حتى من بعض بلدان أوروبا الشرقية، مما يفتح مجال المعالجة التيماتية للموضوع المطروح من جهة ويفتح آفاق التأويل النقدي من جهة أخرى. انفتاح ينفتح فيلم «المنسيون» على لقطات سينمائية تجمع بين التأطير السينمائي للشخصيات والتبئير الفضائي المنفتح على الأمكنة التي تحتوي على هذه الشخصيات، بغية جعل المتلقي المشاهد يستشعر الأجواء العامة التي ستتحكم بالبنية الفيلمية في مختلف تجلياتها الكبرى. هكذا تؤطر الكاميرا فضاء البادية من خلال اللقطات التي تقوم بمسح لفضائها بطريقة بانورامية من جهة وعبر لقطات كبرى تقرّب شخصيات الفيلم إلى المشاهد، خصوصاً تلك التي ستساهم في شكل كبير وأساس في أحداثه من جهة أخرى، حيث توقفت عين الكاميرا في لقطات مهمة حول العلاقة التي جمعت بين كل من «يامنة»، بطلة الفيلم، وهي فتاة بدوية وبين عشيقها وابن دوارها الشاب «عزوز». وهي لقطات إيحائية تمهد لنا ما سيترتب عنها من عواقب وخيمة، خصوصاً بالنسبة الى الفتاة التي سنعرف في ما بعد، حينما سيهاجر الحبيب إلى بلجيكا بحثاً عن تحقيق مستقبل أفضل، له ولها، كما أخبرها بذلك إذ تمثلت رغبته في الهجرة إلى أوروبا بحثاً عن المال والعودة بعد ذلك إلى المغرب للزواج منها، في حين ستظل هي وحيدة تنتظر هذه العودة وتستعجلها كي لا ينفضح سر فقدانها بكارتها. لكن أباها سيرغمها على الزواج من رجل تقدم لخطبتها، فكان أن تحول عرسها إلى مأساة بالنسبة اليها والى عائلتها حين تم اكتشاف الأمر. هكذا ستغادر الدوار هاربة بعد مساعدة أمها لها، وفي طريقها ستلتقي بمن ستقوم ببيعها إلى عصابة متخصصة في تصدير الفتيات إلى أوروبا قصد امتهانهن الدعارة رغماً عنهن، وكسب الأموال الطائلة جراء ذلك. وهو ما ستقع فيه بالإضافة إلى «يامنة» فتيات أخريات من بلدان مختلفة، حيث سيتعرف المشاهد اليهن في أحد المواخير في مدينة بروكسيل والمعاناة الشديدة التي يتعرضن لها. وهو ما دفع بواحدة منهن إلى رمي نفسها من نافذة أحد الطوابق العليا في مكان احتجازهن حين تم إرغامها من لدن أفراد العصابة الدولية مراراً وتكراراً على بيع جسدها للزبائن بعد رفضها المستمر لذلك، وهي الفتاة الطموحة التي جاءت إلى بلجيكا معتقدة أنها ستجد فيها عملاً شريفاً بعد أن أوهمها وسيط العصابة بذلك بعدما أوقعها في غرامه. حرمان هناك في بلجيكا أيضاً ستلتقي «يامنة» بحبيبها «عزوز» الذي اضطر تحت ضغط الحرمان العاطفي أن يزور هذه الأماكن صحبة صديقه المهاجر الذي أواه في منزله، والذي لم يجد هو الآخر في أوروبا ما كان يحلم به من رفاهية. وقد جسد دور هذا الصديق بكثير من التألق الممثل المغربي عبدالرحيم المنياوي. يستعرض الفيلم أجواء عيش بعض المهاجرين في أوروبا، خصوصاً السريين منهم، ممثلين في شخصية «عزوز» كما يستعرض عملية التهجير لبعض الفتيات اللواتي يقعن في فخ بعض العصابات التي تقوم بتهجيرهن إلى أوروبا وإرغامهن بكل الوسائل بعد ذلك على الاشتغال في الدعارة. وقد تفوقت الممثلات اللواتي قدمن أدوار هذه الشخصيات. نذكر منهن الممثلة المغربية مريم أجدو التي جسدت دور «يامنة»، ليلى لعرج، أمال فكا، سناء باحاج، فدوى طالب، رجاء صدقي، وأسماء الخمليشي. هذا إضافة إلى كل من الممثلين المغربيين يوسف الجندي وعبدالله شكيري والممثلة الفرنسية سيلين فرانس الذين جسدوا بكثير من النجاح شخصيات أفراد العصابة. وقد حرص بنجلون باعتباره كاتباً للسيناريو أيضاً على تقديم خاتمة سعيدة لهذا الفيلم، فقد تم إلقاء القبض على أفراد العصابة بعد صراع المهاجر المغربي «عزوز» وصديقه معهم وإبلاغ البوليس البلجيكي بما يقومون به، وإنقاد حبيبته «يامنة» ورفيقاتها من محنتهن. سلط فيلم المخرج المغربي حسن بنجلون الأضواء على بعض المشاكل الإنسانية التي يتعرض لها بعض الفئات من المهاجرين البسطاء في شكل عام رجالاً ونساء، وخصوصاً المهاجرين السريين والأوضاع العامة التي قد يجدون أنفسهم يعيشون فيها من دون ان يستطيعوا الانفلات منها.