كثيرون قد لا يتخيّلون أن عنصرية الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وصلت إلى تصميم الشوارع، ومواقع شارات المرور، والمخالفات المرورية، وغيرها، ضاربة بعرض الحائط القوانين والاتفاقات الدولية، هذا غير الحواجز العسكرية المنتشرة في شوارع الضفة الغربية، وتفصل المدن عن بعضها بعضاً، والمدن عن القرى القريبة منها، فالطريق التي كانت تستغرق عشر دقائق باتت تستغرق ساعة أو يزيد، علاوة على الأزمات المرورية المفتعلة من قبل قوات الاحتلال على مداخل المدن الفلسطينية. ولعل حاجز قلنديا الفاصل بين مدينتي رام اللهوالقدس، والمنطقة المحيطة به، أكبر شاهد على عنصرية الاحتلال. فالشارع الذي كان رحباً قبل احتلال عام 1967، كونه يؤدي إلى مطار قلنديا الذي كان أول مطار أردني، بات مأساة حقيقة لكل العابرين، خصوصاً بمركباتهم. فالتخطيط الهندسي الإسرائيلي في تلك المنطقة يصفه مراقبون ب «العنصري»، إذ يفاقم من الأزمة المرورية. فالداخل إلى رام الله أو الخارج منها يكون محظوظاً إن استغرقه الأمر ساعة لعبور منطقة قلنديا، وهي مسافة قصيرة لا تستغرق لو لم تكن الحال على ما هي عليه أكثر من دقائق لا تتجاوز أصابع اليدين، علاوة على رفض سلطات الاحتلال تواجد شرطة المرور الفلسطينية، وتنظيم حركة السير في تلك المنطقة، بذريعة أنها منطقة مصنفة وفق اتفاقيات أوسلو على أنها (ج)، أي أنها تابعة للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية. وقال المقدم زنيد أبو زنيد، مدير عام شرطة المرور الفلسطينية ل «الحياة»: «سلطات الاحتلال تتعمد التخطيط الهندسي الهادف إلى التضييق على المواطن الفلسطيني، ويعرف في علم المرور بسياسة «عنق الزجاجة» وأكبر دليل على ذلك إشارة «الكف» أو «قف» في منطقة الخان الأحمر، وبالتحديد عند مدخل مستوطنة «معاليه أدوميم»، والتي تقسم الضفة الغربية إلى منطقتين (شمال وجنوب). ما يحصل أن القادمين من الجنوب إلى الشمال من الفلسطينيين مجبرون على التوقف عند إشارة «قف» لمصلحة مستوطنة زراعية صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 300 مستوطن، التي تمنح حق الأولوية عكس المنطق الذي يشير إلى منح الأولوية لمصلحة الشارع الأكثر حيوية واكتظاظاً. فيصبح وقت الفلسطيني منتهكاً لمصلحة وقت المستوطن والهدف من ذلك إيصال شعور بالإحباط لدى الفلسطيني يحول دون تنقله من مدينة إلى أخرى في الضفة الغربية». ولا تقتصر العنصرية المرورية، إن جاز التعبير، عند هذا الحد، فسلطات الاحتلال لا تطبق قانون الاحتلال الحربي الذي يجب أن يحكم العلاقة ما بين الدول ببعضها، ويشير إلى تطبيق القوانين التي كانت مطبقة عند الاحتلال على الدولة المحتلة، وهنا يجب أن يطبق قانون المرور الأردني لعام 1958، في حين أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تضرب كل القوانين الدولية بعرض الحائط، حيث تتطبق القرار العسكري 1310، الصادر عما يعرف بالإدارة المدنية الإسرائيلية العام 1991، أي قبل قيام السلطة الفلسطينية بثلاث سنوات، والمبالغ المنصوص عليها في هذا القرار الاحتلالي مبالغ باهظة لا تتناسب ودخل المواطن الفلسطيني، فأحياناً تكون غرامة المخالفة المرورية تزيد عن ثلثي أو ثلاثة أرباع راتب شهر كامل للفلسطيني، وهذه الأموال تستخدم في الغالب لمزيد من القمع ضد أصحاب الأرض الأصليين، أما قانون المرور الفلسطيني الصادر في العام 2000 عن المجلس التشريعي الفلسطيني، فهو مهمل للغاية ولا تعترف به سلطات الاحتلال على الإطلاق. وفي الإطار ذاته، سجل العديد من المواطنين الفلسطينيين شهادات لهم لدى مؤسسات حقوقية محلية ودولية، بخصوص التعسف الإسرائيلي في تطبيق المخالفات المرورية، فجولة في الشوارع ما بين المدن، وهي في غالبيتها تحت السيطرة الإسرائيلية، تجعل المراقب يكتشف من دون عناء، أن السيارات التي تستوقفها دوريات الشرطة الإسرائيلية لتسجيل مخالفات مرورية بحقها هي في غالبيتها إن لم تكن جميعها فلسطينية وليست إسرائيلية، ووفقاً لهذه الشهادات فإن أغلب المخالفات المرورية التي يحررها الإسرائيليون ضد السائقين الفلسطينيين «كيدية»، يشتم الفلسطينيون منها رائحة الانتقام، من خلال تحويل المخالفين إلى محاكمة عسكرية، وهذا أمر لربما لا يطبق إلا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فلا يعقل أن تحول مخالفة سير إلى محكمة عسكرية إسرائيلية تجري في إحدى المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويكون القاضي فيها مستوطناً، وهو ينسحب حال حصول حادث مروري طرف فيه فلسطيني والآخر إسرائيلي... «الفلسطيني لا يشعر أن مخالفته من قبل الشرطة الإسرائيلية تندرج في إطار النصح والإرشاد والتهذيب، بل هي استمرار للعلاقة العدوانية من الاحتلال ضد الفلسطيني المحتل»، يؤكد أبو زنيد. وتتوسع العنصرية لتشمل الشوارع في الضفة الغربية، حيث يخصص بعضها للمستوطنين اليهود على أرض فلسطينية، بل ويمنع الفلسطينيون من استخدامها، وهو ما يزيد من صعوبات التنقل وإطالة زمن الوصول، ففي السابق كانت الطريق ما بين رام الله والخليل عبر القدس تستغرف قرابة 40 دقيقة، إذ لا تزيد المسافة عن 50 كيلو متراً، أما اليوم، ومع إغلاق القدس أمام الفلسطينيين، فإن الطريق تستغرب قرابة الساعتين، إذ باتت المسافة تزيد على 90 كيلومتراً، وفي طريق خطيرة للغاية بسبب تعرجاتها تعرف باسم «واد النار»، أو «الطريق العنصري»، كما يصفها الفلسطينيون. وفي الوقت الذي تقوم فيه سلطات الاحتلال بتأهيل على أرفع مستوى لشوارع المستوطنين، ثمة إهمال كبير للشوارع التي يستخدمها الفلسطينيون في المناطق التي هي تحت السيطرة الإسرائيلية (مناطق ج)، وهو ما رفع نسبة الحوادث فيها إلى 67 في المئة من مجمل الحوادث المميتة في الضفة الغربية لعام 2013 وفق إحصائيات رسمية صادرة عن إدارة شرطة المرور الفلسطينية، وهي الشوارع التي يمنع على الشرطة الفلسطينية التواجد فيها. ويختم أبو زنيد ل «الحياة»: في وقت تحقق فيه شرطة المرور الفلسطينية إنجازات كبيرة داخل المدن والمناطق الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية (مناطق أ) ساهمت في تخفيض نسبة الحوادث المرورية، وتحسين البيئة المرورية، لا يزال التنقل من مدينة إلى أخرى في الضفة الغربية بمثابة «كابوس» للفلسطينيين، بسبب سياسات الاحتلال في الطرق الخارجية».