كان الموت يتربص به، تركه يودع أصدقاءه بعد انتهاء محاضرته الأخيرة في ذلك اليوم الممطر، لكنه فاجأه بوحشية فور قيادته السيارة. فقد وجد عدي البلتاجي نفسه مرة واحدة خارج سيارته بأمتار ملطخاً بالدماء، وما هي إلا دقائق حتى فارق الحياة بين يدي زملائه في الجامعة الأردنية الذين كانوا يحملونه غير مصدقين أن عدي سيغادرهم بهذه القسوة وبلا مقدمات. تحلقوا حول قسم الطوارئ في المستشفى التابع لجامعتهم، والذي غص بهم، ينتظرون بارقة أمل. ويركضون خلف كل طبيب أو ممرض يخرج من غرفة العمليات يتسولونه أملاً بعودة الحياة إلى أوصال عدي، غير أنهم ما لبثوا أن غرقوا في البكاء على فقدانه بعدما جاءهم خبر لم يرغبوا في سماعه «عدي مات». كان عدي شاباً متفوقاً واجتماعياً في آن، فلا يغادر الجامعة قبل أن ينهي أصدقاؤه محاضراتهم، فيتحدث معهم ويطمئن إلى امتحاناتهم، خصوصاً أن كثيرين منهم كانوا في ذلك اليوم المشؤوم يخوضون اختبارات منتصف العام. لكن هذه الحادثة لم تمر على أصدقاء عدي من دون أن تترك لديهم «رد فعل»، فاتفقوا على إطلاق مبادرة تحمل هذا الاسم للحد من حوادث السير والتخفيف من أثرها على الأسر المتضررة. كانت المبادرة وليدة من رحم معاناة اكتوى بها ليس عدي ذو ال 23 ربيعاً وذووه وزملاؤه فحسب، وإنما اكتوى بها الكثير من الأسر الأردنية التي فقدت فلذات أكبادها في حوادث السير. وكأن عدي أصر على أن يترك بوفاته بصمة للمجتمع الأردني من خلال تلك المبادرة التي أطلقها رفاقه بعدما عاينوا بأعينهم حادث السير الأليم الذي تعرض له يوم 20-1-2014 أمام البوابة الشمالية للجامعة الأردنية. ووفق الطالب أحمد نزال وهو أحد منسقي المبادرة، بدأت المجموعة نشاطاتها الفعلية بهدف معالجة كل تصرفات المرور السلبية وبدأت بعقد اجتماعات لتعريف أعضائها والضيوف بأهدافها. وأوضح نزال أن المبادرة بدأت تتفاعل داخل الجامعة الأردنية، وقال: «سنعمل على توسيعها ونشرها خارج الجامعة، كما سنقوم بتنظيم بازار خيري لتوفير الدعم المالي». وتتسبب حوادث السير التي تقع في الأردن بمعدل حادث كل أربع دقائق في مختلف مناطق المملكة، بوفاة شخص كل 11 ساعة، وفق المعهد المروري الأردني. واعتبر المسؤول الإعلامي في المعهد النقيب حازم الملكاوي، أن مسببات الحوادث الرئيسة ما زالت تتمثل في السرعة الزائدة، وعدم السيطرة على المركبة، وتغيير المسرب بشكل مفاجئ، بالإضافة إلى ظروف الطريق والطقس. وقال ل «الحياة» إن بعض السلوكيات التي يمارسها السائقون أثناء قيادتهم سياراتهم تتسبب في زيادة الحوادث، مشيراً إلى أن مهارات تطبيق القيادة الوقائية من أبرز العوامل التي يجب تطبيقها في القيادة الدفاعية. يشار إلى أن الأردن يحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم في عدد حوادث السير التي يذهب ضحيتها سنوياً آلاف المواطنين وتقدر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الحوادث بزهاء ال3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، فيما يخسر أكثر من 200 مليون دينار سنوياً بسبب حوادث الطرق.