أكد الناقد محمد العباس أن باستطاعة الروائيين توظيف حدث لأسطول الحرية، الذي كان متوجهاً قبل أيام إلى قطاع غزة لفك حالة الحصار وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني ونهايته المأسوية، من الاحتلال الإسرائيلي، والاشتغال عليه في تقديم رواية سياسية حقيقية وفتح السؤال السياسي. وأضاف: «ان الروائي المعاصر يجب ان يكون جزءاً من حركة تاريخه ومجتمعه، وهذا لا يتم إلا من خلال الالتصاق بالناس والإحساس بمعاناتهم ومعرفة مشكلاتهم وهمومهم» معتبراً الرواية الفائزة بجائزة البوكر «ترمي بشرر» هذا العام لعبده خال «خالية من مفردات المعجم السياسي المتعارف عليه، وانتفاء وجود الشخصيات المناضلة»، معترفاً بأن الأب الروحي الحقيقي للرواية السياسية في العالم العربي هو الراحل عبدالرحمن منيف». جاء ذلك في الورقة التي قدمها في نادي جدة الأدبي مساء الثلثاء الماضي عن «الرواية والسياسة». وقال العباس: «لا يمكن الإقرار بوجود الرواية السياسية في المشهد، ما لم تمتلك القدرة على الإقناع، بكل دلالاته المنطقية والفعلية، بمعنى أن تتعادل مقومات الخبرة الفنية مع شمولية ومعاني التجربة الواقعية، وهو ما يعني أن كل تلك الإشارات الرمزية الذاهبة باتجاه تسييس الصراع داخل الرواية في السعودية، لا تعفي المشهد من إنجاز رواية ذات ثيمة سياسية واضحة المعالم، لتستحق التجنيس بمعناه الأدبي»، مشيراً إلى أن شخصية المناضل السياسي لا تنفصل عن الوعي الذي أنتجها، «وبالتالي يمكن التعاطي معها كأحد أهم المداخل الحيوية للاقتراب من واقع وطموحات ومعوقات الرواية السياسية في السعودية». واعترف العباس بأن أغلب الروايات المعنية بالحدث السياسي في السعودية، تلهج بمفردات الحرية، والسجن، والوطن، والحزب، والتنظيم، والثورة إلى آخر منظومة القاموس النضالي «لكنها تكتفي بالعناوين البراقة، ولا تتجرأ، أو ربما لا تقدر على تفكيكها داخل النص، إذ لا تستدعي حالات نضالية بمسميات ومعالم واضحة، إلا بقصد التبرؤ منها». واعتبر العباس أن الروائيات في السعودية لم يقاربن الرواية السياسية، إلا من خلال تضمين رواياتهن بإشارات عابرة، لا تنم عن وعي أو انهماك بالشأن السياسي، ولا تشير إلى رغبة حقيقية لتخفيف ذكورية التجربة النضالية، موضحاً أن المظاهرة الشهيرة المطالبة بقيادة النساء للسيارات، التي أرادت من خلالها مجموعة من النساء إبداء بعض التحدي، والتي تعتبر هي الأخرى انعطافة نضالية على درجة من الإثارة والتقديس في الوجدان الوطني، لم تُستثمر كما ينبغي لتجسيد شخصية نضالية نسائية تليق بالواقعة وأهميتها التاريخية.