ما معنى ترجمة النص الواحد مرات عدة؟ هناك احتمالات كثيرة، أهمها أن الترجمة الأولى لم تكن جيدة، ولم توصل النص الأصلي إلى القراء بالشكل المطلوب.. رواية «نجمة» لكاتب ياسين، واحدة من هذه النصوص، وإعادة ترجمتها إلى اللغة العربية مبررة. لنتأمل إذن هذه الترجمات عن قرب. الترجمة الأولى كانت لملك أبيض العيسى التي نشرت النص في وزارة الثقافة السورية قبل أن تنشره المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الستينات. لم تكن الترجمة عظيمة، ولكنها كانت جهداً كبيراً عبر كاتب ياسين من خلاله إلى القارئ العربي. بفضل هذه الترجمة وصل النص إلى قارئه الحقيقي الذي كان في حاجة إلى معرفة نجمة التي أثارت سجالاً عالمياً كبيراً. يمكننا أن نقول اليوم، إن النص عرف كيف يصل إلى قارئ الخمسينات والستينات وحتى بداية السبعينات. الترجمة الثانية قام بها محمد قوبعة في الثمانينيات، في ديوان المطبوعات الجامعية والمؤسسة الجزائرية للطباعة. كانت ترجمة جديدة لم تدَّع أي هدف لها. فهي خالية من أية مقدمة توضيحية. لم تفترض أي شيء، ولم تنتقد الجهد الذي سبقها. فقد بنيت الترجمة على معرفة جيدة باللغة الفرنسية والعربية، وخبرة ترجمية مهمة. أدت هذه الطبعة غرضاً جامعياً مهماً ومفيداً. لقد قرأها الكثير من الطلاب الذين تعرفوا على كاتب ياسين في غياب شبه كلي للترجمة الأولى. ابتعدت الرواية كثيراً عن تدخلات ملك أبيض العيسى اللغوية، واكتفت بما يقوله النص في أصله ولو أربك ذلك القارئ من حيث المعنى. الترجمة الثالثة التي تقع عليها مسؤوليتة استعادة نص جزائري إلى حقله الوطني، كانت للصديق، السعيد بوطاجين. صدرت في 2007 عن الاختلاف والدار العربية ببيروت. فقد وضع المترجم مقدمة لكتابه يعترف فيها بتمزق نص «نجمة»، مما يعقد ترجمته. ويعيد بوطاجين النظر في النقد الذي لم يفهم النص، ولم يتحدث عن جدوى ترجمة جديدة، تنبهنا لمواطن ضعف الترجمات السابقة. الترجمة الجديدة لا تزال تبحث عن قارئها المفترض وهو الكفيل بتقييمها. الملاحظ أنها لم تختلف كثيراً عما أُنجِز سابقاً على رغم الجهد المبذول فيها. أتساءل عن جدوى الترجمات الجديدة إذا لم يكن ذلك ضرورة قصوى مثلما حدث في المثالين اللذين ذكرتهما؟ الملاحظ في الترجمات الثلاث غياب كلي لشعرية ياسين التي جعلت من نجمة مزيجاً من الشعر والتراجيدية. ألم يكن من الأجدى البحث عن كاتب ياسين في نصوصه السابقة نفسها لترجمة نجمة في شكل جديد قريب من نصوصه؟ كاتب ياسين لم يكتب إلا نصاً واحداً ظل يعيشه بتمزق بين مختلف الأجناس. قصيدة نجمة والسكين، التي تظهر فيها نجمة بقوة، أو مسرحية الجثة المطوقة التي تحتل فيها نجمة ولخضر ومصطفى حيزاً مهماً، والأجداد يزدادون ضراوة التي تتحول فيها نجمة إلى السيدة المتوحشة. التقرب من هذه النصوص يسهل الترجمة الجديدة ويضيف لها الكثير، لأنها تكشف على تمزقات النص العميقة وعن التراجيدية اليونانية التي يستحيل استعادة كاتب ياسين إلى اللغة العربية من دونها. طوبى لكل الجهود التي بذلت، وطوبى لليد الشعرية الناعمة التي ستعيد لنا نجمة الضائعة والمستحيلة؟