من الشهرة والأضواء، والماكياج والتسريحة والابتسامة العريضة أمام الكاميرا، والصوت المتزن أمام الميكرفون، و«أهلاً بكم من قناة الجزيرة في قطر» إلى «تم الاستغناء عن خدماتكم». أعلنت قناة «الجزيرة» قبل أيام الاستغناء عن 500 من موظفيها ينتشرون في 70 مكتباً حول العالم، منهم 300 في مقرها بالدوحة، ل«إعادة الهيكلة والتحسين» بحسب البيان الصادر عن القناة، وربما خلف الكواليس أسباب أخرى، منها إغلاق مكاتب «الجزيرة مباشر» في مصر، لأسباب سياسية مرهونة بالعلاقة بين الدوحة والقاهرة، أو مالية بعد تراجع أسعار النفط بمقدار الثلثين. والإغلاق ليس جديداً على القناة، التي انطلقت قبل نحو عقدين، إذ سبق لها إغلاق «الجزيرة - أميركا»، التي أطلقتها عام 2013، وتبقى الجدوى الربحية وقوة التأثير في سلم قوائم صانعي القرار في أية محطة فضائية. إلا أن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، إذ تزامن تسريح «الجزيرة» موظفيها مع استقطاب الدوحة قناتي «العرب» و«CNBC عربية»، ووعدت الأولى مشاهديها أكثر من مرة ب«البث قريباً»، إلا أن ذلك تأخر حتى انتشر حديث عن قرب من قطر، لتعيش القناة حال مد وجزر، وتخوض ولادة قيصرية جديدة، لتطل من الدوحة بعد إطلالتها السريعة من المنامة. وجود شبكة «الجزيرة الإعلامية» بقنواتها «beiNsport»، التي دخلت عالم الترفيه أخيراً، إضافة إلى استقطاب قناتي «العرب» و«CNBC عربية» في عاصمة صغيرة، يجعل من السهل على الصحافيين اللاهثين وراء فرصة، ربما طرق باب القنوات، وربما من السهل على إحدى القنوات ابتلاع جمهور الأخرى ساعات الذروة، إذا احتدم التنافس. وإطلاق قطر القمر الاصطناعي «سهيل سات» عام 2013، جعل من فضائها «امبراطورية مستقلة»، تضاهي قمر «عرب سات»، وما يزيد الأمر غموضاً نية «الجزيرة» ترحيل قناتيها «براعم» و«جيم» للأطفال إلى عالم التشفير وبثهما عبر شبكة «beiN sport»، التي كانت بالأصل «الجزيرة الرياضية» قبل استقلالها. ويبحث الإعلامي العربي، في المرتبة الأولى، عن الراتب العالي، وربما رواتب طاقم «الجزيرة» من أعلى سلالم الرواتب في الفضاء العربي، ما يجعل قذف الموظف خارج ملعبها سبباً في إصابته ب«صدمة مالية مضاعفة». وتعاني المحطات الفضائية الحكومية في معظم الدول العربية من الترهل، وكثرة القرارات الإدارية، وضعف المحتوى، حتى إن هم بعضها مجرد ملء الهواء خلال ساعات البث، في حين تتسابق محطات فضائية إلى استقطاب أعلى نسبة مشاهدين، عبر مهارات السبق الصحافي، وتغطيات الحروب و«الربيع العربي»، والبؤر الساخنة. يُذكر أن أعداد القنوات الفضائية العربية وصل العام الماضي إلى 1320 قناة، تمثلها 26 هيئة حكومية، و750 هيئة خاصة، منها 151 قناة تمثيل، و146 رياضية، و125 دينية، و66 إخبارية.