كيف نفهم ازدهار الفن الأفريقي الآن؟ يقال عن جملة العروض والتظاهرات البانوراميّة والأسواق الراهنة بأنها أشبه «بظاهرة انفجارية» وذوق كوكبي، اجتاح البؤر الأساسية لصعود الفن التشكيلي الأفريقي وتعويض إهماله العنصري بما يتجاوز العشرين سنة المعلنة، ما بين نيويوركوباريس عبوراً بلندن نعثر على اشتعال أسواق فنية جديدة رغم الأزمة الراهنة في تسويق الفن المعاصر، لعل أبرز هذه التظاهرات سيكون في حشود القصر الكبير في عرين الفن التشكيلي في حي الشانزيليزيه الذي يمثل بؤرة مركز باريس الحداثي أو الفني، سيقتصر المعرض على أعمال المعلمين الأربعة الكبار الأشد شهرة وأصالة حتى الصيف، الأول ملك التصوير الفوتوغرافي، المرحوم سيدو كيتا، وعرف بلقطاته التي تقتنص الجمال المبني للمجهول في باماكو. الثاني دومينيك زينكبي ابن عم فني لفرنسيس بيكون وجان ميشيل باسكيا. مولود عام 1969 في بنين ووسم بأنه «باسكيا أفريقيا». أما الثالث فهو عبدالله آي كوناتي، يستثمر سحر موتيفات الزخارف القماشية الموروثة في تقاليد النسيج المالي. مولود عام 1952 في مالي، لكن محترفه ومعيشته منقولان إلى باماكو. الرابع هو جورج آدياغبو، مولود عام 1932 عرف من خلال اختياره ليشارك في دوكيومنتا في ألمانيا. كذلك معرض ديسكوبوب في باماكو يتزامن مع معرض القصر الكبير الباريسي، ويشارك فيه نجوم يكملون قائمة معرض باريس وهم عمر أيوب مولود عام 1980 في داكار (السنغال) ويعتبر خليفة المعلم سيدو كيتا لأنه يتبع التقاليد نفسها في رسم البورتريه. الثاني هو كارو أكبوكيير الذي مثل نيجيريا في بينالي فينيسيا لدورة 1981 وهو يميل بأسلوبه إلى الملصقات الغرافيكية وموتيفاتها الطباعية. الثالث والأهم هو ج. ب. ميكا، باعتباره المصور الرسمي في الكونغو (كينشاسا) حيث ولد عام 1980 ومشارك حالياً في معرض مؤسسة كارتييه بسويسرا. في لندن وحدها نجد سوقين حاليتين مختصتين بتسويق الفن المعاصر الأفريقي بعنوان جمالياتالكونغو. يقال أن نجوم التسويق من فناني التغريب والتطرف التحديثي الذي لا يخلو من الاستهلاك والمباهاة التقنية، والاستعراضات التزينية والمهرجانات المرحة (البرفورمانس) أو الملصقات الشطحية الخيال، متاهات تطريبية أقرب إلى ألوان ماتيس في الخيال العلمي، تباع بسهولة في صالات العرض العامة. من هؤلاء: نشاك كابا، مولود عام 1961 ومقيم في روتردام، تجتاح عروضه الاستعراضية الفياك عادة، ابتدأت هذه الظاهرة في أمستردام عام 1990، وبدأت تصيب نجاحاً محسوساً. ثم وانجيشي موتو مع ملصقات من تصاوير توحي بهيئة جثث بشرية محنطة. من مواليد 1972 نيروبي (كينيا)، لكنه يعمل ويصور في نيويورك لأنه مقيم فيها منذ سنوات. الثالث هو باسكال مارتان تاتو، ينجز إنشاءات موسيقية من وحدات مقششة، يزرع فيها بعض الدمى والعرائس، مولود في الكاميرون عام 1967 ومستقر في بلجيكا. يعرض في البلدين بصورة دائمة، تقع أعماله بين التيارات الهندسية الأوروبية والحرفية المحلية. أما الرابع فهو ميكيل أرميتاج، يصور على جلود الحيوانات، مولود عام 1984 في نيروبي أيضاً، يعيش في لندن. أصاب نجاحاً باهراً في بينالي ليون بفرنسا. هذه هي بعض الأسماء الأفريقية ذات الشهرة العالمية اليوم، والتي تملك تسعيرة ثابتة في التسويق، وهي بالتالي الأشد احترافاً. علينا الاعتراف بأن الاعتراف بالجنون السحري الفني للقارة الأفريقية تأخر طويلاً وهو لا يخلو من الجحود وسوء الفهم للثقافة لأسباب استعمارية، مثله مثل موسيقى الجاز التي فرضت نفسها بعد سنوات طويلة من النفور الذوقي والاحتقار السمعي. ها نحن اليوم نعثر على تكريس ما يسمّى الفن المعاصر الأفريقي في متاحف ضخمة في أوروبا بخاصة في أفريقيا، على مثال متحف «مؤسسة زينسو» في بنين الذي افتتح منذ عام 2013 فقط. وعلى بعد أربعين كيلومتراً من العاصمة قداح، أو المتحف الهائل الذي سيقام في جنوب أفريقيا وعنوانه الفن المعاصر الأفريقي، وفيه المجموعة الشهيرة «جوشين زييتز». لا شك في أن فضل هذا الاعتراف يعود أيضاً إلى الكوميسير الرؤيوي جان هوبير مارتان وبالذات معرضه «سحرة الأرض» في متحف الفن المعاصر بمركز بومبيدو في عهد متران عام 1980، إذ يعلن هذا التاريخ بداية الاهتمام بالفن المعاصر الأفريقي والحاجة إلى كتابة تاريخه منذ 1950. ثم هناك منعطف آخر أشد حداثة هو الجناح الأفريقي المعاصر في بينالي فينيسيا 2007، حيث عرضت مجموعة الكوميسير دوكولو، والتي تصل عدد قطعها الفنية إلى ثلاثة آلاف. لا شك أيضاً في أن لدورات «بينالي داكار» دوراً تأسيسياً مهماً. ثم هناك مجموعة بكوزي (صاحب سيارات سيمكا) وهي الأكبر في العالم وفيها 15 ألف قطعة. وهناك كما أشرنا استقبال مهرجان دوكيومنتا في كاسيل - ألمانيا أكثر من مرة، أعمال هؤلاء النجوم كما حدث في 2002.