أثار مؤتمر دولي بدأ أعماله في قطر أمس تحت عنوان «قمة إعادة صياغة العالم» نقاشاً ساخناً وشفافاً حول قضايا النظام العالمي وضرورات إدخال إصلاحات كبيرة عليه خصوصاً لمواجهة تحديات العولمة. ورأى مساعد وزير الخارجية القطري لشؤون المتابعة محمد عبدالله الرميحي أن المؤتمر الذي يُعقد برعاية وزارة الخارجية القطرية والمنتدى الاقتصادي العالمي يهدف إلى إطلاق مبادرة جديدة في شأن التعاون الدولي الذي يشمل المؤسسات والأممالمتحدة ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى السعي إلى إدخال إصلاحات في النظام العالمي الجديد. يشار إلى أن قطر وسنغافورة وسويسرا وتنزانيا هي الدول الراعية ل «مبادرة إعادة صياغة العالم». وقال مدير المنتدى الاقتصادي العالمي ريتشارد سامانز ل «الحياة» إن عدد المشاركين في المؤتمر يفوق 400 شخصية وبينهم ممثلون حكوميون من 65 دولة، إضافة إلى 250 شخصية من أصحاب الرأي والفكر من دول كثيرة، لافتاً إلى مشاركة 18 دولة من دول مجموعة العشرين في المؤتمر. وأكد سامانز أهمية مؤتمر الدوحة إذ هو الأول من نوعه في المنطقة وقال إننا سنناقش 58 مقترحاً جديداً لإصلاح هيكلية التعاون الدولي وأنه حان الوقت لإصلاح النظام العالمي، ولفت إلى أن المؤتمر سيطرح اقتراحات «اقتصادية وأخرى تتعلق بالأمن والبيئة وغيرها». وبدا واضحاً سعي المؤتمر إلى تسويق ما وصف ب «أفكار ذكية» جديدة لمعالجة أزمات والخلل في مجال التعاون الدولي الراهن وانعكاسات أزمات دولية مثل الأزمة المالية العالمية وأزمة الرماد البركاني في أوروبا وأزمة الفقر وأزمة الديون السيادية الأوروبية وغيرها من الأزمات والمستجدات ومن خلال «شراكة» دولية تشارك فيها أطراف عدة في العالم. وأصدر «المنتدى الاقتصادي العالمي» في اليوم الأول للمؤتمر تقريراً مهماً طرحه للنقاش في المؤتمر، وتضمن مقترحات لتعزيز التعاون الدولي والارتقاء بممارسات الحوكمة إلى مستويات وصفت بأنها «غير مسبوقة. وأُعلن أن التقرير هو خلاصة جهد عام كامل من الحوار وثمرة جهود فرق عمل ضمت أكثر من 1500 من أبرز الشخصيات الأكاديمية ورجال الأعمال والشخصيات الحكومية وخبراء المجتمع المدني وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، وضم التقرير 58 مقترحاً حول التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والبيئية والأمنية. وحذر التقرير الذي جاء تحت عنوان «مسؤولية الجميع: تعزيز التعاون الدولي في عالم أكثر ترابطاً»، من تراكم أخطار جسيمة وتحديات عالمية في العديد من المجالات، ودعا إلى احتواء الأزمة المالية العالمية وتجديد العهد الذي قطعه مسبقاً في شأن «ترميم النظام العالمي». وأكد التقرير أن الوقت حان بالنسبة إلى الحكومات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى إلى «الترفع عن مصالحها الفورية الضيقة والنظر بجدية أكبر إلى الفوائد طويلة الأمد التي ستجنيها من توافر منظومة تعاون عالمي سليمة ومنظمة للقرن الحادي والعشرين». ورأى رئيس المنتدى كلاوس شواب ونائب رئيسه اللورد مالوك براون ومديره ريتشارد سامانز في فصل المراجعة العامة ضمن التقرير أنه «ينبغي على الحكومات، حتى في الوقت الذي تقوم خلاله برسم استراتيجياتها الخاصة للخروج من إجراءات الحفز المالي والنقدي المطبقة خلال الأزمة، المشاركة في الجهود الرامية إلى تعزيز استيعاب المعنى الأوسع للتغييرات التي ساهمت في إحداث نقلة كبيرة في وضع المجتمع الدولي خلال الفترة الماضية، وجعلت كثيراً من هيكلياته التعاونية غير ملائمة تماماً للأهداف المطلوبة». واقترح تقرير المنتدى «وضع مخطط لتعزيز التعاون الدولي في عصر يتميز بالاعتماد المتبادل المتزايد التعقيد، ما يجعل الأمر أكثر فاعلية وشرعية»، وذلك استناداً إلى كثير من المقترحات التي انبثقت من عملية إعادة صياغة العالم. ودعا التقرير في خطوة ذات دلالات إلى منهج «متعدد الأبعاد» ويركز بصورة أكبر على النتائج تجاه الحوكمة والتعاون الدولي، وأكد أن عملية توحيد الاستراتيجيات العملية ستفيد في تحقيق تقدم ملحوظ في مواجهة قضايا مهمة مثل تغير المناخ ونضوب مصائد الأسماك والبطالة والفقر والصحة العامة وانتشار أسلحة الدمار الشامل والحصول على التعليم والأمية حتى عندما تبدو الاتفاقات الجديدة المتعددة الأطراف بعيدة دبلوماسياً. وحض التقرير «نواة النظام العالمي أي الدولة» في كل مكان إلى أن تتكيف مع عالمنا الأكثر تعقيداً، في وقت أصبحت فيه المؤسسات الفاعلة غير الحكومية قوة متنامية الأهمية. ودعا إلى تعزيز حس الملكية والمسؤولية، ونقلة نوعية في القيم، من طرف المؤسسات غير الحكومية وقادتها حول سلامة النظام الدولي. ولفت إلى «الثمن الباهظ الذي دفعه المجتمع الدولي لقاء تهاونه تجاه النظام المالي ومخاطر الاقتصادات الكلية، التي تم التطرق إليها على نطاق واسع، وسمح لها على رغم ذلك أن تتراكم لأمد طويل»، ودعا «القائمين على تدريب واختيار قادة الأعمال والعلوم والتعليم والدين والإعلام والسياسة، خصوصاً برامج تعليم الجامعيين ومجالس الإدارة وأقسام الموارد البشرية، إلى إعادة تصميم مناهجهم وسياسات تنمية المهارات العليا وسياسات الترقية ليعكسوا أنهم لا يعملون على بناء قادة المؤسسات فقط، بل أيضاً مسؤولين عن النظام العالمي وبالتالي دور المجالات التي يعملون فيها». وحض قادة مجموعة العشرين على الإسراع في توضيح أهدافهم الحالية والعلاقة مع منظمة الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية المختصة، وأكد حفز هؤلاء القادة للتوصل إلى اتفاق شامل حول مفاوضات الأممالمتحدة للمناخ، التي وصلت إلى طريق مسدود، والتجارة في منظمة التجارة الدولية، وتمويل الأهداف الإنمائية للألفية، وإصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإنجاز مفاوضات إعادة موازنة الاقتصادات الكلية العالمية، مؤكداً أن مثل هذه القفزة بالنظام نحو التعاون الدولي من شأنها تحقيق منفعة حقيقية كبيرة للبلدان النامية والصاعدة والمتقدمة ويمكن أن تأتي فقط من طريق قادة مجموعة العشرين. وقدم التقرير رؤية لتحقيق تطورات كبيرة في مجال الحوكمة البيئية العالمية عبر الاستراتيجيات العملية الهادفة ومتعددة الأبعاد. و في هذا الإطار قال شواب: «كي نتجنب الوقوع في دائرة مفرغة من جهود مواجهة الأزمات، يتعين علينا تحليل القوى الرئيسة التي تساهم في تغيير عالمنا وأن نعمل على وضع سياسات تأخذ في اعتبارها التغيرات الهيكلية المتعددة التي تشهدها العوامل الجيوسياسية والجيواقتصادية». وعلم أن المقترحات التي يطرحها تقرير يناقشه مؤتمر الدوحة تركز أيضاً على «إعداد إطار عمل للقيم و «بناء النمو الاقتصادي المستدام» وتقوية النظام النقدي والمالي العالمي وخلق فرص العمل، والقضاء على الفقر، وتحسين الرفاهية الاجتماعية وإدارة الأخطار العالمية وتقليصها وتأمين الرعاية الصحية للجميع وتعزيز الأمن العالمي وضمان الاستدامة وبناء مؤسسات فاعلة وسط مجتمع متمكن.