تأتي دعوة الرئيس باراك أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الى البيت الأبيض الثلثاء المقبل، كمحاولة لمصالحة زعيم «ليكود» وطي صفحة الخلافات المتلاحقة منذ توجه نائب الرئيس جوزيف بايدن الى تل أبيب في آذار (مارس) الماضي، كما تسبق في توقيتها زيارة الرئيس محمود عباس المرتقبة إذ يتوقع أن يحظى ببروتوكول استقبالي ضخم لم تقدمه هذه الإدارة للإسرائيليين حتى الآن. وبحسب أوساط اميركية مطلعة تحدثت إليها «الحياة»، فإن الزيارة التي فاجأ فيها مدير فريق البيت الأبيض رام إيمانويل رئيس الحكومة الإسرائيلية، جرى ترتيبها «على عجل» لسببين: الأول زمني يتقاطع مع جدول نتانياهو الذي سيكون في طريقه الى كندا الأسبوع المقبل في زيارة رسمية للقاء رئيس وزرائها ستيفن هاربر. أما الثاني وهو الأهم في الحسابات السياسية للإدارة، فينطلق من ادراك واشنطن ضرورة «مصالحة» نتانياهو ودعوته الى زيارة «رئاسية» للبيت الأبيض تعوّض عن زيارتيْه السابقيتيْن اللتين غلب عليهما التعتيم الإعلامي والحرج بعد مغادرة أوباما الاجتماع في آخر لقاء، واحتدام العلاقة الأميركية - الإسرائيلية بسبب الاستيطان وطريقة استقبال بايدن بإعلان مخطط استيطاني في القدسالشرقية. وتحرص الإدارة منذ أسابيع، وتحديداً بعد نجاحها في إطلاق المفاوضات غير المباشرة، على ترميم العلاقة مع اسرائيل، اذ سيكون من الضروري لإنجاحها استقبال نتانياهو «في شكل لائق» قبل وصول عباس إلى واشنطن في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز موقعه. وأكد مسؤول في البيت الأبيض ل «الحياة» أن «الرئيس أوباما يتطلع لزيارة عباس في المستقبل القريب، ونحن نعمل على التوقيت وتحديد المواعيد». وتتوقع الأوساط وصول عباس بعد «نحو أسبوع» من زيارة نتانياهو، لذلك يسعى البيت الأبيض الى تحسين الصورة الإعلامية مع زعيم «ليكود»، اذ أن استقبال عباس وعقد مؤتمر صحافي معه في الحديقة الوردية من دون دعوة نتانياهو، سيعني تفاقم أزمة البيت الأبيض مع اللوبي الإسرائيلي ونواب الكونغرس. فعلى رغم محاولات أوباما المتكررة في الآونة الأخيرة التواصل مع المجموعات اليهودية - الأميركية ونواب الأقلية في مجلسي النواب والشيوخ، ومبادراته المختلفة بعقد احتفالات داخل البيت الأبيض في الأعياد اليهودية، لم ينجح الرئيس الأميركي في اسكات الانتقادات ضده في هذا الشأن. وما زال نواب جمهوريون، بينهم أريك كانتور وإيليانا روس ليتينن، يهاجمون أوباما لطريقة استقباله نتانياهو في زيارتيْه الأخيرتيْن في آذار (مارس) وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضيين. ولن تفيد هذه الانتقادات الديموقراطيين في مرحلة الانتخابات النصفية حيث يبرز نفوذ اللوبي الإسرائيلي والصوت الحاسم لليهود الأميركيين في ولايات فلوريدا وكاليفورنيا ونيويورك. لذا ستسعى الإدارة الى «طي صفحة الخلافات» التي خلفتها زيارة بايدن بين الحليفين، وإبداء صورة أكثر تجانساً في هذا المرحلة، خصوصاً كون الأولويات الأميركية تصب في الشأن الداخلي وتطلع الحزبين لانتخابات الكونغرس. أما من ناحية المضمون، فيختلف المناخ السياسي عن لقاء أوباما ونتانياهو الربيع الماضي، اذ يوفر التلاقي الأميركي - الإسرائيلي في شأن العقوبات على ايران وسرور تل أبيب بنجاح واشنطن في طرح مشروع عقوبات دولية بموافقة الصين وروسيا، مناخاً ايجابياً للقاء. كما يفيد هذه الأجواء انطلاق المفاوضات غير المباشرة، واستعدادات المبعوث جورج ميتشل للانتقال الى محادثات مباشرة في «أقرب وقت ممكن». وتضمن هذه العوامل مجتمعة اطاراً فريداً للزيارة وخطوة استراتيجية لإدارة أوباما باسترضاء اللاعب الإسرائيلي من دون تقديم تنازلات محورية أو اغضاب الجانب الفلسطيني. في غضون ذلك، اعتبر القيادي في حركة «حماس» الدكتور صلاح البردويل أن دعوة الإدارة الأميركية لكل من عباس ونتانياهو هي «امتداد لسلوك الإدارة الأميركية تجاه عملية التسوية». ورأى في الدعوة محاولة من الإدارة الأميركية «للظهور بمظهر الراعي لعملية التسوية وإبقاء هذا العنوان حياً». وذهب الى أن هذه الدعوة «تأتي من الرئيس أوباما حتى لا تفقد الإدارة الأميركية صورتها التي تريد أن توهم العالم بأنها راعية للسلام في المنطقة وهي لا تريد أكثر من ذلك». ووصف التحركات الأميركية لإحياء عملية التسوية ب «المظاهر الخداعة»، وقال إن «الإدارة الأميركية تعمل على إسكات صوت المفاوض الفلسطيني، وليس ضمن أجندتها إعطاء الفلسطينيين كامل حقوقهم، بل تعمل على كسب الوقت وتهدئة المنطقة إرضاءً للاحتلال الصهيوني». وانتقد بشدة تمسك «السلطة بخيار المفاوضات»، وقال إن «المفاوض الفلسطيني ارتبط مع الاحتلال برابط الخوف من العقاب فيما لو اختار غير خيار المفاوضات المذلة ولتحقيق مكاسب شخصية».