التعادل يحسم مواجهة مصر والكويت في كأس العرب    أخضر 23 يبدأ تمارينه في الدمام ويغادر إلى الدوحة استعداداً لكأس الخليج    أبها المدينة الصحية استعدادات وآمال    كفاح من أجل الحلم    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ ميزانية 2026    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من أمير دولة قطر    جدة تستضيف الجولة الختامية من بطولة السعودية "تويوتا للباها 2025"    فيصل بن مشعل يرعى توقيع مذكرة تعاون بين إسلامية القصيم وجمعية التنمية الأسرية    بوتين: الهجمات على ناقلات النفط قرب تركيا «قرصنة»    مساعد وزير الإعلام يبحث مع سفير موريتانيا التعاون بالإذاعة والتلفزيون    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالله بن فهد بن مساعد بن جلوي    احتفال نور الرياض يقدّم أول تجربة ضوئية في محطات القطار    خبراء: رفع الإنفاق البحثي نحو الصناعة رافعة محورية لتعزيز الأمن الغذائي    أمير تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    إصابة جديدة لنونيز مع الهلال    أمير الشرقية يستقبل الدوسري المتنازل عن قاتل أخيه    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    انطلاق معسكر العمل الكشفي التقني البيئي المركزي 2025م بمنطقة الرياض    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    مركز الفلك الدولي يوثق بقع شمسية أكبر من الأرض بعشر مرات    أكاديمية الأمير سلطان تنظم حملة تبرع بالدم    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    طرح 21 مشروعا عبر منصة استطلاع لأخذ مرئيات العموم والقطاعين الحكومي والخاص    انطلاقة مشروع "رَواحِل" بجمعية التنمية الأهلية بأبها    المركز الوطني للعمليات الأمنية يتلقى (2.720.218) اتصالًا عبر رقم الطوارئ الموحد (911)    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي للتأهب والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية في الرياض    اعتداء جديد للمستعمرين يعطل مصادر المياه في «رام الله»    قوات الاحتلال تحتجز فتاة وتعتقل طفلًا    تصنيف صندوق الاستثمارات العامة عند (A-1)    مجلس الوزراء يعقد جلسة مخصصة للميزانية اليوم    وزير الطاقة يطلق منتدى الاستثمار المشترك.. السعودية وروسيا.. مرحلة جديدة من التعاون الشامل    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    النحاس يسجل سعرًا تاريخيًّا وسط مخاوف من أزمة إمدادات عالمية    أعادت إشعال الضفة باقتحامات واسعة.. إسرائيل تناقض الهدنة وتكثف القصف على غزة    نحو مجتمع أكثر صحة وحيوية    هنيدي خارج السباق الرمضاني    التعالي الصامت    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    «البحر الأحمر السينمائي» يكشف عن برنامجه الشامل    في قمة الجولة 15 من الليغا.. برشلونة يواجه أتلتيكو مدريد لتأكيد الصدارة    سمو أمير قطر يفتتح كأس العرب    علماء الآثار الروس يكتشفون آثارًا فنلندية وقطعًا معدنية عربية في منطقة إيفانوفو    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    البروفيسورة حياة سندي تنضم لجائزة Galien    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    عد الأغنام لا يسرع النوم    لوجكستا لعلاج الكوليسترول الوراثي للأطفال    اختراق أمني يستهدف ChatGPT    وفاة أول معمرة في روسيا    تقنية تعيد تمييز الروائح للمصابين    دورة علمية للدعاة والأئمة والخطباء بجزيرة لومبوك الإندونيسية    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    أمير منطقة جازان ونائبه يطمئنان على صحة مدير عام التعليم ملهي عقدي    بحضور محافظ جدة .. القنصلية العمانية تحتفل باليوم الوطني لبلادها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإبادة في زمننا: جمهورية أفريقيا الوسطى تشتعل والضحايا بالآلاف
نشر في الحياة يوم 30 - 03 - 2014

بالكاد أتت وسائل الإعلام على ذكر المؤتمر الصحافي الذي عُقد في مقرّ الأمم المتحدّة في جنيف في 10 آذار (مارس) الجاري، بسبب انشغالها بالأزمة في القرم وبالغموض المستمر الذي يلفّ اختفاء طائرة الركاب الماليزية. غير أنّ ما كان لدى القاضي الكاميروني الشهير ورئيس اللجنة الدولية للتحقيق في الانتهاكات في جمهورية أفريقيا الوسطى برنارد آشو مونا ليقوله، مثير للقلق. فقد عبّر مونا عن وجود مخاوف من «حصول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بما في ذلك إبادة». وأشارت الأمم المتحدّة إلى أنّ النزاع تسبّب بتشريد 650 ألف شخص في الداخل وبلجوء 300 ألف آخرين. كما تحدّثت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدّة عن «مقتل الآلاف» من دون ذكر عددهم بالتحديد.
هل المنظمات الدولية التي يزداد عددها قادرة على الدفاع عن الحقوق الأساسية للمدنيين؟ منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، يتمّ تداول تقارير حول الوحشيات الكبيرة التي تُرتكب ضد الأقلية المسلمة في جمهورية أفريقيا الوسطى. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي غير فاعل لغاية اليوم.
ألحق العنف بين الطوائف على مدى سبعة أشهر ضرراً بالأقلية المسلمة في جمهورية أفريقيا الوسطى إذ تمّت مهاجمة أحيائها في العاصمة بانغي وتمّ نهب منازلها وإحراق قراها فيما تحدّث شهود عيان عن قتل مئات المدنيين.
معروف أنّ هذا البلد يفتقر إلى الأمن إلا أنّ «الوحشيات» الأخيرة أخذت أبعاداً غير مسبوقة. فقد أخبرني محقّق في الأمم المتحدّة أنّه «لم يعد هناك أيّ مسلم في العاصمة بانغي».
عاد مدير الطوارئ في منظمة «هيومن رايتس ووتش» بيتر بوكارت من مهمّة خاصة تقضي بإجراء مقابلة مع عشرات الشهود العيان. ووصف مشاهد الخراب والرعب والمجازر التي دمّرت المجتمعات كلّها. كما لفت إلى أنّ نحو 270 مدنياً مسلماً يعيشون في قرية بوسمبتيل، شمال العاصمة كانوا يبحثون عن ملجأ لدى البعثة الكاثوليكية هناك. لكن، بعد الهجوم الذي أودى بحياة 80 مسلماً، فرّ الآخرون إلى الكاميرون المجاورة وتركوا وراءهم النساء والأولاد المرضى. كما تحدّث عن حال المجتمعات كلّها التي لا تملك نفاذاً إلى الطعام وحال الأولاد الذين يموتون من الجوع ووصف امرأة بأنها «هزيلة مثل الورق».
بدأت دورة العنف الجديدة في كانون الأوّل (ديسمبر) 2012 حين أطلق متمردو «سيليكا» ثورة من شمال البلد حيث تتمركز الأقلية المسلمة. يشكّل المسلمون 15 في المئة من سكّان جمهورية أفريقيا الوسطى البالغ عددهم 5 ملايين نسمة. وفي آذار 2013، أطاحوا الرئيس فرانسوا بوزيزي (وهو مسيحي) فيما أصبح زعيم المتمرّدين ميشال دجوتوديا وهو مسلم، الرئيس الجديد.
ومع وصول أوّل شخص مسلم إلى سدّة الرئاسة في البلد، أخذ النضال السياسي فجأة بعداً دينياً. إلا أنّه فشل في حلّ تمرّد «سيليكا» وفي فرض الاستقرار. في الواقع، قام الناهبون بالاعتداء على الأملاك المسيحية وبحرق القرى بعد الانقلاب وتجنّبوا استهداف المسلمين. وفي ما بعد، تحوّلت الصدامات مع ائتلاف المتمردين المسيحيين المعروف باسم «أنتي بالاكا» إلى أعمال عنف. وسرعان ما أخذ هذا الصراع على السلطة بين المجموعتين المسلّحتين بعداً دينياً.
والجدير ذكره أنّ ميليشيات «أنتي بالاكا» (التي تعني مناهضة السيف) هي ميليشيات مسيحية كانت عبارة عن مجموعات قروية تدافع عن نفسها بنفسها.
بعد ذلك، لم تقم ميليشيات «أنتي بالاكا» بشنّ هجوم على خصومها فحسب بل على السكان المسلمين. ولفتت سونيا بكار وهي مسؤولة في الأمم المتحدّة عادت لتوّها من مهمّة مراقبة هناك إلى أنّه «لم يعد هناك وجود لأيّ مسلم في العاصمة». ونقلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنّ الأمر نفسه ينطبق على شمال البلد حيث تمّ إحراق قرى المسلمين وقتل سكانها أو إجبارهم على الفرار إلى تشاد أو الكاميرون المجاورتين.
وأشارت سونيا بكار إلى أنّ ميليشيات «سيليكا» ارتكبت جرائم ضد الإنسانية إلا أنّ «ما قامت به ميليشيات «أنتي بالاك» ترتقي إلى مصاف الإبادة».
وقدّم دجوتوديا استقالته بعد أن أمضى تسعة أشهر في السلطة. وباتت كاثرين سامبا - بانزا وهي امرأة مسيحية الرئيسة الانتقالية الجديدة للبلد. ووعدت بوضع حدّ للنزاع الطائفي وبإزالة سلاح الميليشيات إلا أنها لم تكن تملك الوسائل الضرورية لتطبيق ذلك.
شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى عدم استقرار منذ نيلها استقلالها من فرنسا عام 1960. ويعدّ هذا البلد غنياً بمناجم الخشب والألماس. فيمشّط آلاف الأشخاص قاع الأنهار بحثاً عن الألماس الذي يتمّ بيعه بواسطة وسطاء إلى الشركات الدولية. ويعدّ هذا البلد من بين الدول الأكثر فقراً في العالم. فساهم انعدام الاستقرار السياسي والإدارة غير الفاعلة والفساد في استخدام دخل الصادرات لتمويل النزاع العنيف بدلاً من التنمية الاقتصادية. وساهم تصدير الألماس في تمويل الميليشيات القبلية التي تسيطر على أراضٍ واسعة في المحافظات.
وصول المساعدة الدولية بطيء
تمّ تعزيز القوات الفرنسية الذي بلغ عديدها ألفي جندي. لكنّ هذه القوات موجودة في العاصمة فحسب وتؤمّن المواقع الاستراتيجية مثل المطار الدولي. كما لا يمكن أن يصل نفوذها إلى الضواحي ولا حتى إلى المحافظات البعيدة. وقد تمّ إرسال 2500 جندي تابع للاتحاد الأفريقي إلى هناك فيما تدرس الأمم المتحدّة إمكان إرسال قوات لحفظ السلام. ويرى المنتقدون أنّ المجتمع الدولي لم يتحرّك سريعاً فيما تدخّله لم يكن يهدف إلى إنقاذ حياة الأشخاص بل إلى حماية وسط مدينة بانغي والمطار. فهل فات الأوان على إنقاذ عملية السلام بين أفراد المجتمعات في جمهورية أفريقيا الوسطى؟
تطرح الأحداث في جمهورية أفريقيا الوسطى أسئلة أساسية مرتبطة بالنظام السياسي الدولي. وهذه السنة، يحيي العالم الذكرى المئوية لبدء الحرب العالمية الأولى وفي السنة المقبلة سنحيي الذكرى المئوية لبدء الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية. شكّل القرن العشرون قرن الإبادة. فقد ابتكرت المجتمعات البشرية وسائل فوقية للتنظيم فيما راكمت الدولة الحديثة سلطة هائلة وكشفت عن قدرة كبيرة لتشويه سمعة المجموعات الاجتماعية الكبيرة وإبادتها. في الحرب العالمية الأولى، قرّر قادة الأتراك الشباب تدمير الأقليات. فارتكبوا أقسى الجرائم بحقّ المواطنين الأرمن فيما كان يتمّ في كلّ ثانية قتل شخص خلال الأيام القاتمة للحرب. إلا أنّ الأتراك الشباب نظّموا حملات طرد وارتكبوا مجازر بحقّ الآشوريين واليونانيين والمواطنين الأكراد اليزيديين. وفي نهاية الحرب، تمّ إنشاء عصبة الأمم وكان هدفها الأساسي حفظ السلام الدولي. إلا أنها أخفقت في ذلك. وتمّ خلال الحرب العالمية الثانية ارتكاب وحشيات أكبر مع قيام النازيين بقتل ملايين المدنيين وسجناء الحرب. فقد مات ملايين اليهود الأوروبيين والغجر والاشتراكيين والنقابيين في معسكرات الاعتقال فضلاً عن 3 ملايين سجناء حرب سوفيات. ولم يكن الحلفاء بريئين من جرائم الحرب فقد حوّلت القوة الجوية الأميركية والبريطانية مدناً برمّتها إلى أنقاض مثل درسدن وهيروشيما وناغازاكي. ومن أصل 3 ملايين سجين حرب في الاتحاد السوفياتي، لم يرجع مليون سجين.
وفي نهاية الحرب، نشأت منظمة الأمم المتحدة وكان هدفها هو نفسه حماية السلام الدولي. وأعلن العالم أنّ «الحرب لن تحصل مجدداً» وتعهّد بعدم السماح بحصول إبادات وجرائم ضد الإنسانية. واليوم، يتمّ الاستيلاء على قرى ومدن بكاملها في سورية جرّاء النزاع هناك فيما تستهدف المجموعات المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى، الأقلية المسلمة. لا تسمح لنا تقنيات الاتصال الحديثة بالقول «لم نكن نعرف». إلا أنّ النظام السياسي الدولي لا يحظى بسلطة في أحسن أحواله أو أنه لا يبالي بمصير المدنيين في النزاعات الحديثة. فهل صحيح أنّ الحرب لن تحصل مجدداً؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.