كتب الكتّاب، وتحدث المتحدثون في الموضوع الجلل الذي أصبح آباؤنا وأمهاتنا اليوم لا يعيرونه أدنى درجات الاهتمام، بل يجعلونه من هوامش الحياة، فقلة من الآباء الذين يسألون أبناءهم هذا السؤال الذي قد يكون بإذن الله منجياً من هلاك فلذات أكبادنا، ألا وهو: مَنْ تُآخي؟ مَنْ تُصادق؟ مَنْ رفيق دربك؟... تعددت الصور ولكن المقصود واحد هو ذاك الشخص الذي يساير أبناءنا ويقضي معهم جل يومه، فكثير من الشباب يرون أصدقاءهم ويقضون معهم أوقاتاً تتعدى السويعات التي يقضونها مع الأهل بكثير، ومع مرور عجلة الزمان يصل الصديق بصديقه إلى مرحلة من الحب والوئام، فيصبح تلك المرآة التي لا تعكس الصورة فقط، وإنما تعكس الصفات والأخلاق، فللصديق تأثير يتعدى الخيال، فالمرء على دين خليله، وهنا يكمن الخطر، فكثير من الشباب يتبع من سماه صديقاً بلا عقل، فمن دون إرشاد أو توجيه وما بين غمضة عين وانتباهتها يقع المرء في مهالك ومهاوي الردى، فتصعق العائلة بذاك الخبر المرير «ابنك سرق... ابنك قاتل... ابنك متعاطٍ للمخدرات!!»، هل فكر الأب لوهلة واحدة ما دور الصديق في هذا؟! ها هي دور الأحداث والسجون ملئت بشباب في عمر الزهور، وحل الظلام على ذاك المستقبل المشرق الباهر لبعض شبابنا، والسبب «صديق»! هل يا ترى ينفع الندم والبكاء في ذلك الوقت؟! فكما قال المتنبي: أُصَادِقُ نَفْسَ المَرْءِ قَبْلَ جِسْمِهِ وأَعْرِفُهَا فِي فِعْلِهِ وَالتَّكَلُّمِ وأَحْلُمُ عَنْ خِلِّي وأَعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى أَجْزِهِ حِلْماً عَلى الجَهْلِ يَنْدمَ ولكن للصحبة آداباً قل في زماننا من يراعيها، بل أصبحت الصداقة تُبنى على المصالح تارة، أو على المزاج الشخصي تارة أخرى، فتنقلب المحبة إلى عداوة، والصداقة إلى بغضاء وخصومه، وتطوى صفائح الأيام الجميلة التي كتبت سطورها الأخيرة بالجراح. وما كان للإسلام هذا المنهج الواضح الصريح أن يخلو من رسم خطط وإعداد البرامج لاختيار هذا الصديق، فها هو خير البرية يوجه بتوجيه نبوي، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي»، وتشبيهه البديع الذي تعجز الألسن عن مجاراته بتشبيهه الصديق الصالح ب «حامل المسك» وصديق السوء ب «نافخ الكير»، فها هو الإمام الشافعي يصوغ أجمل العبارات قائلاً: سَلامٌ عَلى الدُّنْيا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا أختم بكلمات لكل صديق صادق في الله الذي لن أوفيه بالكلمات ولا بطول العبارات، ولكن دعوا القلب يعبر بالخفقات، يشدوا خيالي لطول تأملي ويعجز لساني ويئن قلمي، فنبراس الأصدقاء أنت بلا جفاء، طبعت في القلوب معنى غلوب على كل الخطوب حب الحبيب لحبه المحبوب، أحسن أيها الشاب اختيار الصديق، وأنتم أيها الآباء راقبوا أبناءكم واسألوهم مَنْ يصادقون؟ [email protected]