هل المرأة أكثر تفوقاً من الرجل؟ سؤال صبّت آراء الجمهور في اتجاه بخلاف الانطباع السائد، في نهاية الموسم السادس ل «مناظرات الدوحة» الجدلية. جاء الاقتراع بعد ساعة من الضحك المتواصل على وقع فقرات ارتجالية قدّمها أربعة نجوم كوميديا من حول العالم حول معادلة «المرأة أكثر تفوقاً من الرجل». سبعة وستون في المئة من عينة عكست مكونات المجتمع القطري من محليين ووافدين أيدوا وجهة النظر القائلة بتفوق المرأة مقابل معارضة 33 في المئة منهم. أجري التصويت مساء الاثنين خلال «مناظرات الدوحة» في الباحة الداخلية لمقر مؤسسة قطر للتربية والعلوم والتنمية التي ترأسها السيدة الأولى الشيخة موزة بنت ناصر المسند. في ختام سلسلة المناظرات السادسة، سادت أجواء المرح والفكاهة والحرفية في مفارقة عن روح الجدّية التي طغت على الحوارات الدائرة منذ 2004 حيال أمور سياسية اقتصادية واجتماعية شائكة وغالباً كئيبة تمس العالمين العربي والإسلامي. الإعلامي البريطاني تيم سيباستيان، الحاصل على لقب المحاور الأفضل لمرتين من الجمعية الملكية للتلفزيون في بريطانيا، أدار السجال، الذي يتحول مطلع كل شهر إلى منبر لمناقشة آراء وحجج متضاربة حول قضايا ساخنة تهم المجتمعات العربية. وتبث المناظرات عبر شاشة ال «بي بي سي»، على نحو يساهم في ردم الهوة بين الشرق والغرب وتمكين المواطن العربي من المشاركة في تمرين عملي لإسماع صوته، وتقبّل الرأي والرأي الآخر بعيداً من التراشق بالاتهامات، والتخوين أو الشتائم في مجتمعات مقسومة على نفسها حيال هوية وشكل المستقبل في عصر العولمة، بعد عقود من الاستقلال. سيباستيان المعروف لمتابعيه بجدية أسلوب طرحه الأسئلة وحشر محاوريه في الزاوية ورفض الإجابات الخالية من المنطق قال ل «الحياة» إنه اختار اختتام السلسلة السادسة بطرق موضوع جدي لكن «بطريقة خالية من الهموم وقادرة على إضحاك الناس، عندما يتفحصون أنفسهم. وهو أمر غير مألوف في المنطقة»، متمنياً: «أن يساعدنا هذا على إعادة عرض المواقف التي تواجهنا يومياً بأسلوب مرح. وفي ذلك مؤشر على مستوى نضوج المجتمع الذي ننتمي إليه». سيباستيان الذي اعتبر أن: «الجمهور الخليجي من أكثر المستعدين لذلك»، حبّذ أن تتمحور المناظرة «حول الجانب المضيء في الحياة، وكيفية التواصل مع بعضنا بعضاً وتحديد الطرف المسيطر الحقيقي: من هو القائد». المناظرة بدأت بمنح كل كوميدي حصّة في العرض مدتها سبع دقائق لتسويق وجهة نظره. كل منهم وظّف ما يبرع فيه من كلمات وحركات جسدية ممكنة في هذا الضرب من العروض المسرحية، الذي يعتمد كثيراً على سرعة البديهة لإثبات مواقفهم المتناقضة حيال المنافسة القديمة منذ آدم وحواء. أطلق الكوميديون والكوميديات نقداً ساخراً لعادات وأعراف من واقع المجتمعات العربية، والغربية على وقع تبادلات جريئة متحللة من الرقابة المعهودة بما يلائم مزاج مختلف الشرائح الاجتماعية، الثقافية، والعرقية. في الخندق المؤيد لشعار الجلسة وقفت الأميركية - الفلسطينية الأصل ميسون زايد (33 سنة)، والعضو في رئاسة مهرجان الكوميديا العربية الأميركية، الأميركي - الهندي، أزهر عثمان والذي يسعى من خلال فرقته إلى تقديم صورة إيجابية عن المسلمين في الغرب، وكان اختير العام الماضي من قبل مركز التفاهم الإسلامي - المسيحي في جامعة «جورج تاون» العريقة من بين أكثر 500 مسلم نفوذاً في العالم. ووقف في معارضة فكرة المناظرة كل من الممثلة الكوميدية والكاتبة البريطانية كاري كوينلان، إلى جانب مواطنها روبين اينس، صاحب الفيلم الروائي الطويل الذي اختاره مهرجان برلين السينمائي وكاتب عروض مسرحية. وعلى رغم صعوبة حشد كوميديين لتقديم أدوار ارتجالية، تآلف الأربعة باحتراف فكري وعاطفي عالٍ ونجحوا في إيصال رسائلهم بأسلوب فريد أطلق العنان لضحكات الجمهور، حوالى 350 مدعواً مناصفة بين الجندرين. رسائل عميقة مليئة بالسخرية لتعزيز أو تحطيم الصور الذهنية النمطية حول صراع الجنسين. وانتهت الجلسة المتلفزة بتصويت الكتروني صب في مصلحة موقف عثمان وزايد، التي لم تمنعها إصابتها بالشلل الدماغي منذ الولادة في تحقيق ذاتها كممثلة كوميدية محترفة تجوب العالم. حرب اسكتشات ارتكز عثمان في عرضه إلى سلسلة اسكتشات ضاحكة ترتكز على «أن مستوى الذكاء العام والعاطفي لدى المرأة يفوق الرجل أضعافاً، إذ ينتهي حوار المرأة مع الأخرى عادة بالتعادل بينما ينتهي بين الرجل والمرأة بخلاف. النساء في الشرق الأوسط لا يرغبن بقيادة السيارات لأنهن يفضلن أن يسوق بهن الرجال، النساء أكثر جمالاً والرجال مقززون، حاولت مراراً أن أبدو وسيماً ولم أنجح. النساء قواماتٌ علينا في مختلف مناحي الحياة وتفصيلاتها. التميّز الوحيد يكمن في قدرة الرجل الجسدية. لكن الرجل يظل دائماً مصدراً للشر حول العالم، وهو الذي يدمر الأرض وسبب التدهور الاقتصادي العالمي. ولعبت كوينلان دور المناصر للرجل، فارتدت بنطلوناً أسود وجزمة رجالية بنية، لتشن هجوماً معاكساً. إذ جابت المسرح الدائري قائلة: «أنا سيدة والنساء غير رشيقات، فاقدات البوصلة، ينسين الأشياء باستمرار وتفقدها. كما أنهن لا يستطعن إطلاق لحاهن مع أنه أسهل الأمور في الحياة. اللحى تساعد على تركيز الأفكار وترتيبها. كل ما تقوم به النساء هو التسوق وشراء الحاجيات وصرف الأموال. المفكرون والأدباء الكبار كانوا رجالاً يطلقون لحًى، منهم شكسبير صاحب مقولة «تكون أو لا تكون». فهو رجل قدّر أهمية الخيارات وأخذ موقفاً واضحاً بدل أن ينظر في المرآة ويسأل نفسه هل أبدو جميلاً أو يطالب باستمرار بالحصول على مساواة في الحقوق؟ وتابعت نصيرة الرجال: «النساء لا يقدرن على التركيز. أفكارهن سريعة التشتت. النساء لا يستطعن إزاحة البيانو... يفضلن الجلوس على كرسي والعزف على هذه الآلة الموسيقية». واختتمت عرضها: «عندما تتحدث النساء فإن أسلوبهن يقوم دائماً على التذكر (النق) والشكوى». ثم دخلت الفلسطينية - الأميركية زايد على خط النار لتقذف كوينلان بوابل من المشاكسة المضادة: «تقولين إن النساء أقل ذكاء لأنهن غير قادرات على إطلاق اللحى؟ أنا مثلاً قرّرت أن أحفّ لحيتي بوسائل إزالة الشعر غير المرغوب فيه؟ النساء يلدن الأطفال. الرجال الذين تكلمت عنهم خرجوا من رحم النساء. نحن نلد الرجال ونستطيع بالوقت ذاته أن نقتلهم ب «النق» المتواصل. نستطيع إقناع الرجال بكلمة أنهم عاجزين عن القيام بشيء بسيط كتحضير فطور مكون من بيض مقلي. القوة تعني إمكان تحمّل الألم. الرجل يتعب من وجع في ضرسه فهل قام احد منكم يا أيها الحضور من الرجال بتجربة تحمل وجع عملية المخاض؟ وتابعت الكوميدية: «أمي وهبتني الحياة ليأتي طبيب أشرف على ولادتي كان بحالة سكر وأخذ حياتي مني ذلك أن ممارساته كانت سبب إصابتي بالشلل الدماغي». جادلت أيضاً بأن النساء مسلحات باستمرار عبر ارتداء أحذية ذات كعوب عالية قادرات على خلعها بسرعة لحماية أنفسهن. بعد ذلك سألت الحضور من الرجال بطريقة تهكمية: «هل بإمكانكم ارتداء هذه الأحذية»؟ ثم مازحتهم قائلة: «في الغرب ينزل الرجل على ركبته لطلب يد الفتاة أما في عالمنا العربي يدفع الرجل للسيدة (مقدماً ومؤخراً) لتقبل الزواج به. لو وقعت حرب أو مجاعة في أي مكان في العالم بإمكان المرأة تدبر شؤون أطفالها وتأمين طعامهم من لا شيء. لكن الرجل غير قادر على إطعام نفسه ليوم في حال كان وحده. النساء أفضل من الرجال... انظروا إلى المطربات فيروز، داليدا وأم كلثوم لتعرفوا أن النساء يتميزن دائماً عن الرجال». ثم اعتبرت أن الرجال دائماً يصدرون الأصوات لدى تعاملهم مع أبسط الأشياء مثل البحث عن مفاتيحهم في حال فقدانها. شكل الرجال مضحك في الملابس النسائية، لكن السيدات يتأنقن عندما يلبسن بدلات كالرجال». الكوميدي الأخير الذي هب لنجدة الرجل كان اينس. قال هذا الرجل إن «حواء هي أساس البلاء. القصة كانت بين آدم وحواء وليس بين آدم وستيف؟ النساء يبدون أكثر جمالاً لأنهن يطلين وجوههن بمساحيق التجميل ويتبخترن بالكعب العالي لأنهن قصيرات. الرئيس الأميركي جون كينيدى اغتيل لأن زوجته أمرته بكشف سيارته لأنها كانت ترغب بالتباهي بقبعة كانت قد اشترتها للتو. كما أنهن سبب للموت وأيضاً للتغير المناخي الكارثي ومع ذلك تستمرين في لوم الرجال عن كل مآسي العالم يا ميسون». عيادات الأطباء مليئة بالمراجعات بينما ثلاجات المشافي مليئة بجثث الرجال لأن النساء لا يمانعن في إهدار الموارد للبقاء على الحياة حتى لو ظهرن كالمحنطات». بعد العروض الكوميدية، صوت الحضور على ما شاهدوه وجاءت النتيجة لمصلحة تميز جنس حواء على الرجال. على أن تبدأ الجولة السابعة من «مناظرات الدوحة» في الخريف المقبل، لتستأنف تمريناً عملياً غير مسبوق يساهم في توصيل صوت المواطن العربي منه وإليه. وتستند فكرة المناظرات التي تعرض ثماني مرات في السنة إلى نهج من زمن سحيق اختطته قبل قرون جامعة أوكسفورد الشهيرة في بريطانيا، ويتم التركيز على موضوع واحد مثير للجدل في كل حلقة. في السياق يتقابل فريقان من الجمهور بين مؤيد ومعارض لهذه القضية. في مجال تقويم التجربة، يقول سيباستيان ل «الحياة» إنه لمس تحولاً كبيراً في نمط المشاركة منذ أطلق الحوار قبل ست سنوات. «الملفت أن ثقافة التناظر تمد جذورها في الأرض لأول مرة في هذه المنطقة منذ قرون». ويضيف: «قررت العودة إلى الوراء إلى زمن كان فيه الإسلام المحرك الفكري للعالم... عندما كان الناس من مختلف الأفكار والديانات يجتمعون ويتحاورون. أردت أن أؤكد أن المناظرات ليست بدعة غربية لكنها جزء من عادات سكان منطقة الشرق الأوسط». ويخلص إلى القول: «في مناظراتي، يحق للناس التوافق على الاختلاف في ما بينهم، لكي تحل المواجهات بطريقة سلمية في عالم اليوم حيث الكلمة هي السلاح الوحيد المقبول. لم تعد المسألة معادلة رياضية نتيجتها صفر حيث يحصد الرابح كل شيء ويفنى الخاسر».