ما كادت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة تظهر ومعها لوائح الفائزين بمقاعد مجلس العموم البريطاني الجديد، حتى «اندلعت معركة» بين سارة وزوجها سمير، وهما زوجان من أصل لبناني يقيمان في بريطانيا. «ألم أقل لك أن علينا أن نُدخل لينا إلى مدرسة خاصة حتى ولو اضطررنا إلى الاستدانة وأخذ قرض جديد على منزلنا؟». رد سمير على شكوى زوجته: «حتى لو استطعنا أن نُدخل لينا إلى المدرسة الخاصة، فهل يمكننا أن نفعل الشيء ذاته مع شقيقها، مايك، عندما يصير في سنها؟ أنتِ تعرفين أننا نضعه ليومين ونصف اليوم فقط في الحضانة لأننا لا يمكننا أن نوفّر المالي الكافي كي نضعه كامل أيام الأسبوع!». لم تقتنع سارة بالطبع، ودارت «معركة» كلامية بينهما حول مستقبل تعليم طفليهما. لم «يشتبك» الزوجان نتيجة خلافات حزبية. فكلاهما صوّت هذه المرة لحزب العمال الذي خسر الانتخابات. فاز حزب المحافظين الذي يتولى الحكم اليوم بعدما شكّل حكومة إئتلافية مع حزب الديموقراطيين الأحرار. في الحقيقة، لم يكن الزوجان معارضين شرسين للشريكين الجديدين في الحكم البريطاني، فهما «ديموقراطيان» يؤمنان بأن الشعب هو من يقرر حكّامه، وبما أن الشعب اختار المحافظين والديموقراطيين الأحرار فلا مشكلة لديهما. لكن مشكلتهما الأساسية في نتيجة الانتخابات كانت مرتبطة بما اعتبراه – خصوصاً الزوجة - عودة ل «طبقة الإقطاع» في المجتمع البريطاني. فالفائزون الأساسيون في الاقتراع الأخير – الذي أجري في 6 أيار (مايو) الماضي- كانوا في الإجمال عبارة عن «نخبة النخبة» من الأثرياء الذين تعلموا في أرقى المدارس الخاصة في بريطانيا. بدأت سارة تُعدد لزوجها لائحة الفائزين في الانتخابات، والمدارس الخاصة التي مروا بها. زعيم المحافظين ديفيد كاميرون (43 سنة)، وهو أصغر رئيس للوزراء سناً في بريطانيا ويتحدّر من نسل ملكي (من سلالة الملك ويليام الرابع)، خريج عدد من أهم المدارس الخاصة في البلاد. بدأ تعليمه الخاص في السابعة من عمره في مدرسة «هثرداون» الخاصة جداً – من تلامذتها الأميران إدوارد وأندرو، نجلا الملكة اليزابيث الثانية. ثم انتقل منها إلى مدرسة «إيتون» المشهورة التي لا يقل قسطها السنوي عن 30 ألف جنيه إسترليني. ومن إيتون انتقل كاميرون إلى جامعة أكسفورد، حيث درس الفلسفة والاقتصاد والسياسة. نائب رئيس الوزراء نك كليغ، زعيم الديموقراطيين الأحرار، لا يختلف كثيراً عن كاميرون. فهو بدوره خريج مدارس نخبوية. فبعد مدرسة «وستمنستر» الحصرية، انتقل كليغ (43 سنة – أصغر بأسابيع فقط من كاميرون) إلى جامعة كامبريدج، كما درس في كليات أخرى في الولاياتالمتحدة وبلجيكا. جورج أوزبورن، وزير المال المحافظ في الحكومة الجديدة، لا يتحدر فقط من عائلة أرستقراطية (ابن السير بيتر أوزبورن)، بل هو أيضاً خريج عدد من أهم المدارس العريقة، مثل مدرستي «نورلاند بليس» و «سانت بول» في لندن وكلية «ماغدالين» في جامعة أوكسفورد. تيريزا ماي، وزيرة الداخلية الجديدة (محافظة)، مرّت في مدارس خاصة مثل مدرسة «هولتون بارك للبنات»، قبل أن تنتقل إلى جامعة أكسفورد. حاول الزوج أن يوقفها، لكنها أبت إلا أن تواصل. عددت له وزراء ونواباً في الحكم الجديد وجميعهم من خريجي مدارس خاصة لا يمكن أن يدخلها سوى نخبة من أثرياء البلد. ثم أضافت أن هؤلاء بالطبع لا يمكن سوى أن يهزموا أبناء «الطبقة الكادحة»، مشيرة تحديداً إلى زعيم حزب العمال المستقيل غوردون براون الذي نشأ لأب كاهن في كنيسة بروتستانتية في قرية صغيرة متواضعة على الساحل الاسكتلندي، وتعلّم في مدرسة رسمية هناك، قبل أن ينتقل إلى جامعة أدنبرة حيث تعرّض لحادث خلال ممارسته لعبة «الركبي» فقد خلاله النظر في إحدى عينيه. وافق سمير زوجته على أن التعليم الخاص سيمنح أطفالهما إمكان الحصول على مستقبل أفضل. لكنه أضاف أن منزلهما مرهون، وراتبه ليس مضموناً أن يستمر طويلاً إذا استمرت تداعيات الأزمة المالية العالمية واضطرت الشركة التي يعمل فيها إلى الاستغناء عن موظفيها. ثم أضاف أن ما يبقى من الراتب بعد دفع قسط المنزل لا يكفي حتى لتسديد قيمة الفاتورة الشهرية لبطاقة الائتمان «الفيزا كارد» والتي تُظهر بوضوح أن الزوجة هي من قام بمعظم عمليات الشراء فيها. استشاطت سارة غضباً، وردت بأنه يمكنه أن يتحقق من خلال فحص سريع للائحة أن كل ما اشترته ببطاقة الائتمان إنما هو أغراض وحاجيات للمنزل والأطفال. «انتهت المعركة» بينهما بعد ساعات من الجدل، لكنها لم تؤد إلى تغيير في واقع لينا وشقيقها مايك. ستبقى لينا، على الأرجح، في المدرسة الرسمية التي تذهب إليها حالياً، وسيتبعها شقيقها عندما تنتهي فترة الحضانة بعد سنة.