وجدت البائعة علياء مكاناً «معقولاً» في بيت البسيوني التاريخي، حيث تعرض منتجاتها التي تصنعها بيدها إلى جوار سيدات أعمال «صغيرات» مثلها، داخل جناح الحرف اليدوية الذي كان ثمرة تأهيل وترميم أربعة مبان تاريخية في منطقة البلد بجدة، وافتتحها أمين جدة المهندس عادل فقيه برعاية أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل أول من أمس. اسم علياء يستدعي إلى الذاكرة صوت فيروز، لكن الحديث معها ليس على أصوات «هدير البوسطة»، إنما على أنغام بنت السوق «الفهلوية» وأريج الخلطات الشرقية ودهن العود والبخور التي تمزجها بيدين صغيرتين «مدعوكتين» بعرق الوقت والعطاء والمعاناة. وعلى رغم ضيق المكان وافتقاده قليلاً للتهوية، إلا أن علياء وجارتها أم حمزة ورفيقاتهما استبشرن خيراً بتذكرهن في مشروع تطوير وتأهيل المنطقة التاريخية، ودخولهن في حسبان الملايين ال 50 التي أعلن المهندس فقيه تخصيصها لتنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل المحاور الرئيسة والأرصفة والإنارة، بما يتماشى مع طابع المنطقة التاريخية. وكذلك يأملن أن تتذكرهن شركة جدة التاريخية التي أعلن فقيه أيضاً إنشاءها خلال الشهرين المقبلين، وهي شركة متخصصة في تصميم وتنظيم المنطقة التاريخية بالتعاون مع شركة جدة للتطوير العمراني وشركة وسط المدن وستبدأ أعمالها قبل نهاية العام الحالي. ستبقى علياء في ركنها «المعقول» لمدة خمسة أيام هي مدة المعرض المصاحب لتدشين المباني الأربعة، وبعدها ستذهب كالعادة إلى منزلها في انتظار بازار آخر، أو طلب زبون، إلا أن حلماً مختلفاً يراودها هذه المرة. عيناها تنظران إلى المستقبل فتريان المنطقة التاريخية مختلفة. اكتمل تأهيلها فباتت قطعة أصيلة من الماضي وضعت في الحاضر بكامل زينتها ورونقها. الزوار يفدون إليها من كل مكان، وهي نفسها «علياء» تقف في ذلك المستقبل داخل محل صغير تملكه كان يوماً من ضمن خطة التطوير، ولا تكاد تلتقط نفساً من كثرة زبائنه، وترتاح للحلم الذي تعتقد أنها ترى بوادره. وتعليقاً على فكرة المعرض المصاحب لمشروع التأهيل، أوضح المدير التنفيذي لجهاز الهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكةالمكرمة محمد العمري، أن المعرض ينعقد بالتزامن مع المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية المنعقد حالياً في الرياض، وهو يدل على أهمية التراث العمراني في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالمملكة. وأشار إلى أهمية البعد الاقتصادي لمناطق التراث العمراني، مؤكداً أن الهيئة تسعى إلى تسجيل المنطقة التاريخية في جدة ضمن مواقع التراث العالمي في اليونسكو خلال عام 2012. وقال نتطلع إنشاء مواقع استثمار لها علاقة بالتراث من فنادق ومطاعم كبرى وساحات. مضيفاً أن كل هذا لن يتحقق إلا من خلال التعاون مع الملاك والقطاعين الحكومي والخاص. أما مدير إدارة تطوير وتأهيل العمران في المنطقة التاريخية الدكتور عدنان عدس فشدد على أهمية التراث العمراني وما يمثله من معنى رمزي لوحدة وتاريخ المجتمع وما يمثله من ذاكرة اجتماعية تبرز الهوية الذاتية للمجتمعات وانتمائها الحضاري. وقال «إن أهمية المحافظة على التراث العمراني تتعدى المنظور الاجتماعي والإنساني لتشمل الجوانب الاقتصادية المستدامة في ترميم وإعادة استخدام هذه المباني بما يحقق الكفاءة العالية والفعالية الاستثمارية الناتجة من النشاط السياحي المتزايد في مواقع التراث العمراني». وأوضح أن المعرض الذي يستمر خمسة أيام يشتمل على مسابقة لصور التراث العمراني وعرض حي لحرفيي ترميم مباني التراث العمراني وورشة للفنون التشكيلية وندوات ومحاضرات متخصصة في مجال التراث العمراني وأنواع من المأكولات الشعبية. ولفت إلى أن المعرض يسعى إلى توثيق وعرض وإبراز التراث العمراني المميز في محافظة جدة، بما في ذلك من مبان وقرى تراثية وحرف وصناعات تقليدية وأسواق شعبية وأنماط حياة الإنسان في المنطقة، والموروث الثقافي ودور المبنى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويهدف إلى التوعية بأهمية التراث العمراني في المملكة التي تعد اليوم واحدة من أهم البلدان المتميزة بغنى وتنوع تراثها المعماري الذي يمثل ذاكرة الأمة. وأضاف أن أهم ما يميز معرض جدة أنه يقام في مبان تراثية تمت إعادة ترميمها وفق أحدث أنظمة الترميم المتبعة في المناطق التاريخية على مستوى العالم، والتأكيد على أهمية دور هذه المباني، مشيراً إلى أن المباني التاريخية تعد من أهم الموارد الاقتصادية المغمورة، ويمكن الاستفادة منها كمورد مهم، إذ إن المنطقة التاريخية بجدة بها نحو 400 مبنى تاريخي يمكن إعادة ترميمها والاستفادة منها في الكثير من الأنشطة.