لم تشهد طرابلس في تاريخها الانتخابي نيابياً كان أم بلدياً، هذا الحشد من الاصطفاف السياسي الذي سرع في تظهير لائحة «وحدة طرابلس» البلدية برئاسة نادر غزال المدعومة من رئيس الحكومة سعد الحريري و«تيار المستقبل» والرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي ونواب طرابلس والمجموعات الإسلامية من «حركة التوحيد الإسلامي» الى «جبهة العمل الاسلامي» و «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية». ولقيت اللائحة تحفظاً من «الجماعة الاسلامية» تجرى حالياً معالجته، واعتراضاً من «الحزب الديموقراطي العربي» احتجاجاً على عدم الأخذ بمطلبه الرامي الى رفع حصة تمثيل العلويين في المجلس البلدي من عضوين الى ثلاثة على أن تسند اليهم نيابة الرئاسة خلافاً للتقليد المعمول به في طرابلس بأن تكون من حصة الطائفة الأرثوذكسية. وبطبيعة الحال فإن هذا الحشد السياسي الذي جمع الأضداد والأحلاف في لائحة واحدة، من شأنه أن يضعف الأمل لدى «المتضررين» من التوافق في تشكيل لائحة مكتملة تتوافر فيها الشروط لخوض المعركة البلدية ضد اللائحة التوافقية التي لم تولد بهذه السرعة لولا الاستعداد الذي أظهره جميع من فيها من قوى رئيسة بالتضحية من أجل خفض منسوب التوتر في عاصمة الشمال من ناحية ولقطع الطريق على من كان يراهن على إقحامها في معركة طاحنة أين منها الانتخابات النيابية في عام 2009. لذلك فإن الفريق الذي لم يحالفه الحظ في أن يكون في عداد اللائحة التوافقية سيواجه صعوبة في تأليف لائحة مضادة لكن هذا لن يمنع رئيس «حزب الطليعة» القيادي سابقاً في «حزب البعث العربي الاشتراكي» الموالي للعراق قبل إبعاده من السلطة في بغداد، النائب السابق عبدالمجيد الرافعي، من التحرك لتشكيل هذه اللائحة إلا إذا قرر العدول في آخر لحظة عن خوض المعركة بعد قرار الرئيس الحالي للبلدية رشيد الجمالي سحب ترشحه قبل انتهاء المهلة القانونية لسحب الترشيحات. وعلمت «الحياة» أن للرئيس كرامي في اللائحة التوافقية حصة من 7 أعضاء حرص على توزيعهم على قوى المعارضة الطرابلسية لتبقى تحت مظلته السياسية، وهو لهذا السبب اختار مرشحاً لكل من حركة التوحيد الاسلامي وجبهة العمل الاسلامي، و «المشاريع» و «الحزب السوري القومي الاجتماعي» والعلويين وآخر أرثوذكسي محسوب على حليفه النائب السابق سليم حبيب. وفي المقابل فإن تحالف ميقاتي والنائب أحمد كرامي أعطي 3 أعضاء، كما حجزت في اللائحة التوافقية حصة مماثلة للوزير محمد الصفدي اضافة الى تمثيل «المستقبل» ب 5 أعضاء وحليفه النائب الأرثوذكسي روبير فاضل بعضوين هما نائب الرئيس جورج جلاد والماروني حنا الشاطر. وبات من المؤكد أن الفريق المنافس لهذا الحلف الطويل العريض الداعم للائحة التوافقية من 24 عضواً سيفتقد الى «الرافعة» السياسية التي تمكنه من الاعتماد عليها لخوض المعركة البلدية على رغم أن «حزب الكتائب» اعترض على تمثيل الموارنة بحنا الشاطر واقترح مرشحاً بديلاً هو مارك عاقوري، بينما تحفظت «الجماعة الاسلامية» عن تمثيلها بهبة مراد وطالبت برفع حصتها بذريعة أن حجمها الانتخابي يفوق الحجم الانتخابي ل «حركة التوحيد» و «جبهة العمل» و «الأحباش». لكن اعتراض «الجماعة الاسلامية» يبقى في اطار تسجيل موقف، إلا إذا قررت تجاوزه بالانسحاب من اللائحة التوافقية التي لديها بدائل جاهزة لإدخالها مكان مرشحيها. وهذا من شأنه أن يرتب عليها رد فعل في طرابلس لا تستطيع الدفاع عنه خصوصاً أن لغزال جذوراً اسلامية وهو كان من المحسوبين عليها قبل أن يستقل بموقفه ويقرر الخروج منها من دون أن يكون على خصام معها. وبالنسبة الى العلويين فإن رئيس الحزب الديموقراطي العربي النائب السابق علي عيد ومساعده للاتصالات السياسية ابنه رفعت عيد، سارعا الى الاعتراض على الحجم التمثيلي للطائفة العلوية وطالبا برفع حصتها من عضوين الى ثلاثة، وقوبل بالرفض من قبل القوى والشخصيات الداعمة للائحة التوافقية وابرزها فيصل عمر كرامي الذي كان يتولى التفاوض مع عيد الأب لإقناعه بأن يتمثل بعضو في المجلس البلدي في مقابل أن يكون العضو الثاني من حصة النائب العلوي بدر ونوس. وقالت مصادر طرابلسية إن عيد الأقوى داخل الطائفة العلوية لكن في النهاية فإن ونوس ممثلها في البرلمان ولا يمكن تجاهله لا سيما أن التركيبة التوافقية لم تأخذ بالأحجام بمقدار ما انطلق القيمون عليها من مبدأ تجميع كل طرابلس في لائحة بلدية. وأكدت المصادر نفسها أن كرامي يتفهم موقف عيد لكنه لا يحبذ أبداً مطالبته برفع حصة العلويين من عضوين الى ثلاثة ولا بمنصب نائب رئيس البلدية الذي هو من حصة الأرثوذكس، باعتبار أن مجرد التجاوب معه يعني أنه وافق على مبدأ الانقلاب على المعادلة البلدية التي هي بمثابة الاطار العام الذي من غير الجائز اللعب فيه لما يترتب عليه من خلل في التمثيل من ناحية فتح الباب أمام الدخول في تعديلات تمس دور المسيحيين وضرورة استيعابهم لاستعادة دورهم الفاعل الى جانب المسلمين في عاصمة الشمال. وكشفت المصادر عينها أن كرامي الابن أوقف تفاوضه مع عيد وامتنع عن تسمية من يمثل الأخير في المجلس البلدي، على رغم أنه بموقفه هذا تخلى عن عضو من الحصة المخصصة للمعارضة. وفي شأن ما تردد عن أن عيد هدد بقطع الطرق في جبل محسن احتجاجاً على الإجحاف اللاحق بتمثيل العلويين ولوح بمنع الاقتراع فيه الأحد المقبل، أكدت المصادر أن «عيد يمكن أن يطلق تهديدات وصولاً الى تلويحه بالعصيان المدني لكنه سيجد نفسه عاجزاً عن القيام بذلك وبالتالي من الأفضل له الانخراط في التوافق لأن العملية الانتخابية لن تتوقف وستنجز بمن حضر». وسألت المصادر عن المصلحة السياسية لعيد في اخراج نفسه من التوافق وقالت: «هل يستطيع أن يهدد التوافق من خلال لجوئه الى توتير الوضع الأمني يوم الانتخاب في جبل محسن؟». ونصحت المصادر عيد بأن يقرأ جيداً في التحولات التي طرأت على طرابلس وأملت على قياداتها الاصطفاف لمصلحة انجاح التوافق، وقالت إن التعديلات التي يقترحها ليست قابلة للتطبيق وإن أياً من أركان المدينة لا يستطيع الاستجابة لها لما يترتب عليها من تداعيات ومضاعفات سلبية تطيح بروحية الائتلاف. ودعت عيد الى التفكير ملياً قبل أن يقرر الإقدام على أي خطوة سلبية لا سيما أن لا مصلحة له بأن يقدم نفسه للرأي العام الطرابلسي على أنه خارج الائتلاف وبالتالي يريد أن يعزل نفسه، مشيرة الى أن هذا الحجم من الائتلاف الداعم للتوافق سيؤمن حصانة أمنية لطرابلس يصعب على أي كان القيام بعمل يمكن أن يهدد الاستقرار العام. وأكدت «أننا نقول هذا الكلام لعيد ليس من باب التهديد وإنما حرصاً عليه من اي خطوة من شأنها التلاعب بأمن طرابلس وهو الأدرى أن سورية ليست في وارد التدخل السلبي للتأثير في مجرى العملية الانتخابية وتتصرف على أنها خارج السباق البلدي وكانت أول من نصح بالائتلاف من باب الاستشارة وإبداء الرأي». واعتبرت المصادر أن «الموقف السوري يعكس المراحل المتقدمة التي بلغتها العلاقة القائمة بين الحريري والقيادة السورية»، مؤكدة في هذا المجال أنها لا تبحث عن مشكلة «خصوصاً أن الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة تجاوزت في ضوء المحادثات التي أجراها مع الرئيس بشار الأسد الرغبة في فتح صفحة جديدة الى ارساء أسس للتعاون على المدى الطويل، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة». ورأت أن «التشكيلة المتنوعة للائحة الائتلافية في طرابلس لم تشهد ولادتها السريعة لولا التسهيلات التي قدمها الحريري شخصياً وتمثلت في عدم اعتراضه على توسيع رقعة التمثيل بضم أعضاء من قوى وشخصيات مناوئة له، اضافة الى التضحيات المماثلة لعدد من القيادات الطرابلسية من دون أن نتجاهل التطور الإيجابي للعلاقة بين الحريري وكرامي التي ينتظر منها أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون».