أرسى عدد من مثقفي ومفكري المنطقة الشرقية، سياسة «جلد الذات» ومكاشفتها في قضية التعددية الدينية، وتناوبوا على طرح التباينات والتناقضات في تطبيق أوروبا للتعددية الدينية مقابل «انعدامها» في البلاد العربية. وتساءلوا: «كيف ننتقد أوروبا في حريّات الأديان إذا كنا نرفض التعددية الدينية في بلادنا؟»، مشيرين إلى ان أوروبا «تسمح ببناء المساجد والمراكز الإسلامية، وتسمح بنشر الإسلام من دون مضايقات تذكر، وهو ما لا نراه في عدد من البلدان الإسلامية والعربية». وعزا الأستاذ في المعهد العالي للقضاء الدكتور سعد العتيبي، ذلك إلى ما سمّاه ب «فوائد العلمانية»، قبل أن يستدرك أن «العلمانية وجدت في أوروبا، ووضعت قوانين لحماية الأديان، من دون أن تحددها، ولو علموا أنها ستجلب لهم هذا الانتشار الإسلامي لما عمدوا إليها». وتساءل آخر، في ندوة نظمتها ديوانية رئيس قسم الدراسات الإسلامية واللغة العربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور مسفر القحطاني، عن سبب «تميّز أوروبا في قبول المسلمين، بينما في السعودية لا يسمح ببناء الكنائس». ورد عليه العتيبي، لأنه «يجب أن نأخذ الصورة في العالم العربي، لنجد أن الكنائس موجودة في مصر، وسورية، وعدد من الدول الأخرى، أمّا مطالبة من يتبنون القضية ببناء كنائس في السعودية فهو أمر فيه مرفوض، لأن هذه البلاد جزء من منطقة الجزيرة العربية، التي تمثل خصوصية دينية، وتعد عمقاً استراتيجياً ودينياً للمسلمين والإسلام»، مستدلاً على ذلك ب «عدم مطالبة المسلمين بفتح مساجد لهم في الفاتيكان». وأكد العتيبي، في الندوة التي حملت عنوان: «التعددية الدينية... رؤية تأصيلية»، والتي نظمها فريق «وجهة التطوعي» نهاية الأسبوع الماضي، أن «مصطلح التعددية الدينية ليس كما يعتقده البعض، بأنه قبول بالأديان الأخرى، والتعايش معها وفق المنظور السياسي»، مشيراً إلى أن المصطلح «مستورد ويحمل إشكالية الترجمة للغة العربية». وأبان أن «الفلاسفة عرّفوا التعددية بأنه الفكر الذي يعترف بأكثر من مبدأ. أما الدين فإنهم وقفوا كثيراً عند هذا المصطلح، وتباينوا في التعريفات، مقدمين أكثر من 20 تعريفاً، إلى أن طالَب أحدهم بإسقاط الدين، هرباً من إشكال تعريفه». ونبه إلى أن التعددية الدينية لدى منظريها «تختلف عمّا يروج لها في البلدان الإسلامية». وذكر أنهم «لا يقفون عند الأديان السماوية (النصرانية، واليهودية، والإسلام)، بل يشملون جميع المذاهب والقوميات والأيدلوجيات، وحتى النظريات التي خرجت من أفكار البشر». وقال العتيبي: «هم يرون أنه يجب أن تتعايش المعتقدات الدينية المختلفة الواسعة، لتندمج في مسار واحد، مع بقاء خصائص ومزايا كل واحد منها. ولفت إلى أن هذا التعريف «يسعى إليه السياسيون، وينطلقون من مصطلح التعايش الذي يبحثون عنه». وحذّر من مصطلح التعديد الدينية، معتبراً أن الذين ينادون به «لا يبحثون عن الاعتراف بالأديان الأخرى، وحق تطبيقاتها، وهو ما يوافقه الإسلام منذ نشأته، لكنهم ينشدون مساواة الأديان. وهذا خط أحمر في ديننا. بل يتجاوز منظرو الفكر التعددي هذا الحد، إلى أن نوافقهم على مذهبهم، وهو ما يعني الاعتراف بهم كخطوة قبل الدخول في دين جديد، وهذا ما يحوّل التعددية الدينية من فكر لتساوي الأديان، إلى منشأ لدين جديد، تنصهر فيه هذه الأديان في قالب موحد». وتعجب من بعض المسلمين الذين «يؤيدون التعددية في الأديان، معتبرين أن لكل شخص حريته في التعبد والوصول إلى الله بالطريقة التي يريدها»، معتبراً ذلك «ديناً جديداً، وهو ما يجعل من التعددية الدينية مشكلة جديدة، بدلاً من أن تكون حلاً لمشكلة قائمة، بحسب ما يدعون». وذكر أن «مصطلح التعددية الدينية أصبح مرادفاً لمصطلح الأقليات. وهو أمر مُحدث. فالإسلام كان يحيط غير المسلمين، من اليهود والنصارى، وحتى غيرهم من الأديان، بمصطلح يعطيهم شرعية اجتماعية ودينية، بوصفهم «أهل الذمة». وشدد على أن أوروبا «لا تطبق مفهوم التعددية الدينية»، مستشهداً بدساتيرهم التي «لا تقف عند التفريق بين الأديان، بل تتعداها إلى التفريق بين أصحاب المذاهب، سواءً كانوا كاثوليك أم بروتستانت أم ارثذوكس، كما هي الحال في الدستور اليوناني والدنمركي والإسباني والبريطاني»، مستدركاً: «نحن المسلمين لا نلومهم على تعصبهم لدينهم، وحصرهم بعض المناصب القيادية على مذهبهم. ولكن نطالبهم بأن نعامل بالمثل. وأنه من حقنا عدم تطبيق بعض ممارساتهم التي تخالف ديننا، بدعوى التعددية». ولفت إلى أن الإسلام يُعد «من مؤسسي التعددية»، مستشهداً بوضع المدينة في عهد الرسالة، وفي العصور التي تليه. كما أنه «كان في الإسلام تعددية فقهية، من دون أن يكون هنالك تعددية عقدية».