قد يكون الفقير في مصر هو من لا يملك قوت يومه، أو من لا يقوى على إرسال أبنائه للتعليم، أو من لا يحصل على قدر كافٍ من الرعاية الصحية، وربما لا يحصل عليها في الأصل، لكنه رغم ذلك يملك هاتفاً محمولاً وصحناً لاقطاً وتلفزيوناً ملوناً وثلاجة. وعلى عكس ما كان يشاع في الماضي من أن الفقير هو الأكثر شعوراً بالرضا على رغم سوء أحواله المعيشية، فأن الفقير في الألفية الثالثة أكثر شعوراً بالسخط على ظروفه الاقتصادية والاجتماعية. وهو الأقل ثقة في المؤسسات الحكومية وهيئات الدولة المختلفة مقارنة بقرينه الثري، وربما ذلك هو ما يدفعه إلى وضع جل ثقته في الجمعيات الخيرية التي يعتبرها الفقراء في مصر الأعلى صدقية والأكثر شعوراً بالمسؤولية تجاهه. تقرير جديد ومثير أصدره «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» التابع لمجلس الوزراء أثبت أن الفقر في مصر ليس كالفقر في أي مكان آخر. وبسؤال عينات من الفقراء عن الأولويات التي يرون أن على الحكومة أن تتبعها لتحسين أحوالهم المعيشية، جاءت النتيجة صادمة. فقد طالب ما يزيد على 90 في المئة من الفقراء بالصرف الصحي الذي لا يحظى به سوى واحد في المئة من الفقراء، وهو بذلك يتفوق على بقية أولوياتهم التي تنغص حياتهم وهي (وفق ترتيبهم) الصحة، ثم التعليم، فالمياه، والشوارع والطرق، وأخيراً الكهرباء. أولويات الفقراء لتحسين أحوالهم المعيشية البالغة التدني، والتي دفعت أكثر من 80 في المئة منهم الى تأكيد عدم رضاهم عنها، جعلتهم يتوجهون نحو الجمعيات الخيرية التي تقدم إليهم مساعدات نقدية وعينية فورية، فكسبت ثقتهم متفوقة بذلك على التلفزيون والصحافة، في حين افتقدت منظمات المرأة والإتحادات العمالية الصدقية المطلوبة. وعلى رغم الفجوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء والانعدام التام لمبدأ العدالة الاجتماعية في قضايا مثل التأمين الصحي الذي يحظى به أبناء الطبقتين المتوسطة والغنية وليس الفقراء، رغم أنهم الأكثر حاجة له، إلا أن المصريين جميعاً يتساوون في امتلاك الرفاهيات المتمثلة في الهاتف المحمول، والصحن اللاقط، والتلفزيون الملون. ويكفي أن نسبة الأسر المصرية التي تملك هاتفاً محمولاً تضاعفت أربع مرات منذ العام 2004 من 14 في المئة إلى نحو 63 في المئة في 2009. كذلك الحال بالنسبة إلى الصحون اللاقطة، إذ زادت نسبة مالكيها من 19 في المئة في 2004 إلى 61 في المئة في 2009. كما يتساوى الجميع في الشعور بالأمان في البيت والشارع، وإن زادت النسبة قليلاً بين الفقراء، ربما لشعورهم بأنهم لا يملكون ما يمكن أن يجعلهم عرضة للسرقة أو النهب أو العنف. الطريف أيضاً أن فقراء مصر واغنياءها متساوون في السلبية السياسية. ففي الوقت الذي يفوق فيه اهتمام الأغنياء أقرانهم الفقراء بمتابعة المشهد السياسي، يتساوى الجميع في الابتعاد عن صناديق الانتخاب. ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بلغت نسبة الفقراء الذين أدلوا باصواتهم 36 في المئة، ولم تزد نسبة الأغنياء المشاركين عن 40 في المئة. وألقى التقرير الضوء على مفارقة مهمة، فعلى رغم أن 98 في المئة من القرى الأكثر فقراً في مصر موصولة بالشبكة العامة للكهرباء، فإن هناك شكاوى متكررة من كثرة انقطاع التيار. وفي السياق نفسه، تصل المياه التي يفترض أنها صالحة للشرب إلى ما يزيد على 80 في المئة من الأسر في القرى الأكثر فقراً، لكن مشكلات طعم المياه ولونها، وانقطاعها، وارتفاع أسعارها تؤرق نسبة كبيرة منهم. وهذا يعني أن الأرقام المعلنة عن تقديم الخدمات الأساسية والبنية التحتية تحتاج إلى إضافة عنصري الجودة والاستمرارية لتكون عملية القياس أكثر صدقاً. يشار إلى أن الفقير، بحسب ما ورد في التقرير الحكومي، ليس معدوم الدخل فقط، لكنه أيضاً المحروم من الحصول على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. ورغم ذلك، فإن أغلب المعايير والمقاييس تنطبق على الفقير فقراً اقتصادياً فقط، إذ لم يشر التقرير إلى ملامح واحتياجات مسلوبي الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية.