لن يكون من الإنصاف ان نقول ان فيلم «الطريق الإرلندية» جاء مخيباً للآمال المعقودة عليه، هو الذي أدخل الى المسابقة الرسمية في مهرجان «كان» في اللحظات الأخيرة. فنال من جراء ذلك ضجة كبيرة. كان كثر يفترضون سلفاً ان أي فيلم جديد لكين لوتش يستحق مثل هذه الضجة. فكيف إذا كان معروفاً ومعلناً سلفاً أن الفيلم يتناول حرب العراق؟ في النهاية عرض الفيلم، في وقت قريب من عرض فيلم آخر عن حرب العراق، جرى حديث كثير عنه هو الآخر، لكن الحديث عن فيلم لوتش كان أوسع وأكثر صخباً. فصاحب الفيلم الثاني، وعنوانه «لعبة عادلة»، دوغ ليمان لم يعهد به ان يكون مخرج مهرجانات، ولا متحدثاً في افلامه عن قضايا كبيرة بكلام كبير. من أشهر أفلام ليمان، الجزء الأول من ثلاثية «بورن» التجسسية البوليسية، من بطولة مات ديمون. وهو فيلم قد يكون جيداً، على صعيد الحركة وسيكولوجية البطل، لكنه في أحسن أحواله فيلم تشويق. من هنا كان متوقعاً لفيلم ليمان الجديد هذا، ان يغلب عليه التشويق والحركة، في مقابل توقع لفيلم كين لوتش تغلب عليه السياسة كالعادة لدى هذا الذي يسمى «آخر اليساريين المحترمين». وكان متوقعاً طبعاً من الفيلمين، بفعل ما قيل وكتب عنهما، ان يكونا لبنة جديدة، في شكل ما، لبناء متن سينمائي انغلوساكسوني مميز عن حرب العراق. وهذا التوقع الأخير، تحقق في الواقع، ولكن ليس كثيراً، بل ليس في الشكل المتوخى. إذ، في النهاية جاء فيلم ليمان الأميركي أكثر تسيساً وعمقاً في موضوعه ومعالجته هذا الموضوع، فيما كان ثمة إجماع على ان «الطريق الإرلندية» أقل تسيساً من معظم أفلام كين لوتش الأخيرة. يقيناً ان هذا لا يمكن اعتباره عيباً، لكن المشكلة تبدأ مع سمعة لوتش وتفضيله هذه المرة ان يحقق فيلماً يعالج موضوعه على المستوى الأخلاقي والتشويق البوليسي، فيما آثر الآخر ان يغوص في قضيته متنقلاً من العام الى الخاص ثم الى العام. اما القاسم المشترك اللافت بين الفيلمين فهو انهما معاً اقتربا من حرب العراق من دون ان تزوره كاميراهما كثيراً. بالنسبة إليهما معاً، الحرب هناك، في واشنطن، كما في ليفربول، ولعلها، بالنسبة إليهما، تحس في المدينة الأميركية والأخرى الإنكليزية أكثر مما تحس في بغداد. مهما يكن لا بد من القول ان «لعبة عادلة» الذي يتحدث عن حدث تاريخي معروف يتعلق بعميلة الاستخبارات الأميركية فاليري برام، التي وقعت العام 2003 ضحية تمرد زوجها السفير جون ويلسون على السلطات الرسمية، التي كانت أرسلته الى النيجر كي يتحرى معلومات وفرتها الاستخبارات الإيطالية تقول ان صدام حسين حصل هناك على اليورانيوم المخصب ما يؤكد وجود أسلحة دمار شامل لديه، ويبرر الحرب التي شاء بوش، الرئيس الأميركي، شنها بأي ثمن للتخلص من صدام. ويلسون بعد عودته وإذ رأى الحرب تشن على رغم تقريره السلبي الذي أفاد ان لا وجود لصفقة شراء اليورانيوم، نشر مقالاً فضح فيه اكاذيب البيت الأبيض. فكان انتقام هذا، فضح شخصية زوجته وعملها في ال «سي آي إي». ما أحرقها وأحرق مهنتها وكاد يدمر حياتها العائلية. وفي النهاية حين اضطر البيت الأبيض الى الاعتراف بأنه أخطأ عزا الذنب الى موظف صغير يعمل لدى ديك تشيني، فحكم بحبسه وتغريمه 250 ألف دولار، قبل ان يعفو عنه الرئيس بوش بعد اسابيع قليلة. هذا الموضوع عالجه دوغ ليمان انطلاقاً من كتابين وضعهما جون ويلسون وزوجته، بأسلوب كلاسيكي رزين، يعتمد لغة كلاسيكية، أكثر مما يعتمد حركة صاخبة. عالجه كما يمكن معالجة موضوع سياسي جدي الى هذا الحد. وكانت النتيجة فيلماً لا شك سيكون منافساً جدياً يوم توزيع الجوائز، ولا سيما في مجال الأداء، إذ من المحتمل ان تكون بطلته نعومي ووتز، وبطله شون بن، منافسين حقيقيين لكل النجوم الذين يرجح فوزهم حتى اليوم.