التحرش والاغتصاب الجنسي والعنف الأسري ظواهر اجتماعية تزيد نسب حدوثها بشكل لافت، ليس في المجتمعات الأوروبية والأميركية فحسب، بل في المجتمعات العربية والإسلامية التي تحكمها العادات والعبادات. هذا ما أكدته ل «الحياة» أستاذة التربية الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتورة ليلي عبدالرشيد عطار، وأوضحت أن التحرش مجموعة من الأفعال التي تتضمن انتهاكات بسيطة إلى مضايقات حادة تشمل تلميحات لفظية وصولاً إلي النشاطات (الممارسات) الجنسية، بينما يعرف الاغتصاب الجنسي بأنه مواقعة الرجل الأنثى من دون رضاها. وفي السياق نفسه، أبانت أن أكثر الفئات المستهدفة بهذه الجرائم الأخلاقية التي لا يوجد مثيلها سوى في عالم الحيوان، هم الأطفال والنساء وضعاف العقول، أما عن الإحصاءات العربية حول هذه الظاهرة فتكاد تكون قليلة بل ونادرة في بعض البلدان، نظراً إلى أسباب كثيرة، أهمها الخجل والرغبة في التستر والخوف من الفضيحة. ونادت عطار بعدم السكوت عن الظاهرة أو التعامل معها بأسلوب سياسة النعامة (في دفن رأسها في الرمال)، وقالت: «إن الظاهرة تستوجب الوقوف عندها طويلاً، كونها من القضايا المسكوت عنها اجتماعياً، وتتطلب المواجهة ودرس أسبابها ودوافعها والآثار الناجمة عنها، ووضع الحلول والسبل الوقائية لحماية المجتمع». وحول الأسباب التي وراء هذه الظاهرة، ترى الأستاذة الجامعية أنها كثيرة جداً، منها: إخفاق دور العبادة في غرس القيم الأخلاقية التي تجابه سلوك الأفراد، وتقاعس دور المؤسسات التربوية في توجيه سلوك الفرد، وعدم ردع قانون العقوبات في قضايا هتك العرض والاغتصاب، وافتقار الأفراد إلى التربية الجنسية السليمة، وانتشار ثقافة الابتذال، وتقليد الشبان غير الواعي لبعض المفاهيم الغربية، وانتشار المخدرات، وارتداء الملابس المثيرة، والتفكك الأسري، وضعف الرقابة الأسرية على الأبناء، ومشاهدة الأفلام المثيرة للغرائز الجنسية، واجتذاب الشبان لبعض دعاوى فكرية تنادي بهدم الثوابت كافة تحت مسمى الحداثة، إضافة إلى افتقار مناهج التربية الدينية في مراحل التعليم وطرق تدريسها إلى عوامل الجذب واعتمادها على النقل والحفظ لا على العقل والفهم، مما يؤدي إلى افتقاد الأفراد الوعي الديني. من جهتها، أعلنت مديرة الفرع النسائي لمؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية عزيزة خضر الزهراني اقتراحات عدة لاجتياز العقبات التي تواجه الأسرة وكيفية الوقاية من التفكك الأسري، وقالت: لا بد من الحرص على الاجتماع والتواصل الأسري، وفتح الحوار الهادف الآمن مع الأبناء، وتجنب فرض سلطة الوالدين أثناء الحوار ليتمكن الأبناء من التحدث بصراحة من دون خوف أو ارتباك، ونشر أهمية ثقافة الحوار بين الزوجين أولاً لأنهما أساس الأسرة ومنها يتعلم الأبناء، إضافة إلى تخصيص وقت ليس بالقصير للجلوس مع الأبناء والتعرف على مشاكلهم وهمومهم وأفراحهم وطموحاتهم وآمالهم، وإشاعة الحب والعطف والحنان واللمسة الحانية والاحتضان خصوصاً للشبان والفتيات، وفتح القلوب لهم واستيعابهم وإعطائهم الثقة والتشجيع بقول طيب حسن، ومناقشة المواضيع التي تهمهم مستقبلاً كالدراسة الجامعية، والزواج، وفتح المجال لهم للتحدث بكل صراحة وحرية، ولا ننسى العدل بين الزوجات والأبناء والبنات والبعد عن الظلم والعنف خصوصاً مع البنات، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً). وطالبت الزهراني بإنشاء مراكز استشارية وتأهيلية في الأحياء تشمل كل ما سبق، واستغلال المدارس يومي الأربعاء، والخميس، أو الخميس فقط كنادٍ للفتيات لممارسة هواياتهن في الرسم والفنون والخط، والألعاب الرياضية، إذ إن للحركة فائدة في التنفيس وتفريغ الطاقة، وحبذا لو كان يوجد في المدرسة كادر جيد محافظ فهي مكان آمن يريح الأهالي، فيما في حال لم يوجد مثل هذا المطلب فلا بد من وجود ناد متكامل ومجهز في كل حي تقام عليه مثل هذه المسائل.