للمرة الأولى منذ سنوات، تمكن أحمد (11 عاماً) اليوم (السبت) من التوجه إلى حديقة قريبة من منزله ليلهو مع أشقائه من دون أن يصطحبهم والدهم، بعدما اطمأن إلى سريان وقف إطلاق النار في مدينة حلب ومناطق سورية أخرى. ويقول أحمد وهو يتأرجح مع أطفال آخرين داخل حديقة في حي السكري شرق مدينة حلب لوكالة «فرانس برس»: «كان والدي يأخذنا بنفسه للعب في الحديقة يوم الجمعة فقط عندما يتأكد من عدم وجود قصف أو اشتباكات قريبة». ويضيف مع ابتسامة عريضة: «أما اليوم ومنذ الصباح فسمح والدي لي ولإخوتي بالذهاب بمفردنا إلى الحديقة القريبة من منزلنا، بعدما تأكد من الأخبار أنه ما من اشتباكات أو قصف». وحي السكري الواقع في الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في مدينة حلب هو إحدى المناطق التي يشملها وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه اعتباراً من منتصف ليلة الجمعة - السبت بموجب اتفاق وقف الأعمال العدائية الأميركي - الروسي المدعوم من الأممالمتحدة. وشهدت المناطق المشمولة بالاتفاق هدوءاً اليوم لم تعرف له مثيلاً منذ اندلاع النزاع الذي أسفر منذ منتصف آذار (مارس) 2011 عن سقوط أكثر من 270 ألف قتيل ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ويعرب العديد من السوريين المقيمين في مناطق تحت سيطرة الفصائل المقاتلة أو قوات النظام عن سعادتهم لصمود الهدنة وتوقف القصف والمعارك المستمرة منذ خمس سنوات. ويشير أسامة ديري وهو من سكان حي المغاير في حلب إلى أنه فوجئ بحركة الناس النشطة منذ الصباح في المدينة. ويقول: «نستيقظ في العادة على حركة خجولة من الصباح حتى الظهر بسبب الطيران، لكننا حتى الآن لم نسمع صوت مدفعية أو طيران على الإطلاق». وتشهد مدينة حلب، التي كانت تعد العاصمة الاقتصادية لسورية وثانية كبريات مدنها، معارك مستمرة منذ صيف العام 2012، بين قوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية والفصائل المقاتلة التي تسيطر على أحيائها الشرقية، وغالباً ما تتعرض الأحياء الشرقية لقصف مدفعي وجوي بالبراميل المتفجرة أوقع آلاف القتلى منذ اندلاع النزاع، فيما يستهدف مقاتلو المعارضة الأحياء الغربية بالقذائف. وفي حي بستان القصر شرق حلب، يأمل أبو نديم (40 عاماً) وهو عامل مطبعة، بأن «تنجح الهدنة وأن يستمر وقف إطلاق النار... لعلنا نستعيد جزءاً بسيطاً من حياتنا قبل الحرب». ومكّنت الهدنة أيضاً عدداً من مقاتلي المعارضة من العودة إلى منازلهم في حلب، ومن بينهم أبو شريف الذي يقول: «عدت الآن من موقع تمركزي الذي يعد خط تماس بيننا وبين قوات النظام». ولا ينكر هذا المقاتل تبادل «رشقات نارية بين الحين والآخر»، ولكنه يضيف: «الشيء الجيد أنه لم يحدث قصف جوي أو مدفعي»، مؤكداً أنه «لم تحدث هجمات أو محاولات تسلل من قوات النظام». وفي السياق نفسه، يلفت أبو عبدو الأسير، وهو قائد عسكري في حركة «أحرار الشام الإسلامية» إلى «حصول اشتباكات بالسلاح الخفيف بعد منتصف الليل بيننا وبين قوات النظام، لكنها لم تستمر أكثر من نصف ساعة». ويؤكد أنه «منذ ذلك الحين نحن ملتزمون بالهدنة ما دامت قوات النظام ملتزمة بها». و«أحرار الشام» هي أحد أبرز الفصائل الإسلامية النافذة في سورية، والمتحالفة على جبهات عدة مع «جبهة النصرة» (ذراع تنظيم القاعدة في سورية) المستثناة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) من الاتفاق. وتعد هذه الهدنة الأولى بهذا الحجم التي تلتزم بها قوات النظام والفصائل المعارضة منذ بدء النزاع في العام 2011، ويسري تطبيقها، بحسب مصدر سوري رسمي و«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بالإضافة إلى مدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي، على الجزء الأكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوباً، وريف حمص الشمالي (وسط) وريف حماة الشمالي (وسط). وفي ريف حمص الشمالي، لا يخفي حسان أبو نوح الناشط في مدينة تلبيسة التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة دهشته لصمود وقف إطلاق النار. ويقول: «نحن نشعر بالضياع. لقد تغير برنامج حياتنا اليوم. في العادة نستيقظ عند الثامنة صباحاً، موعد تحليق المروحيات وبدء الحفلة (القصف)». وفي المناطق القريبة من دمشق، نعم السكان بيوم غير اعتيادي من جراء توقف القصف والمعارك على جبهات عدة. ويقول الناشط في مدينة داريا غرب دمشق شادي مطر، إن الساعات الأولى لسريان وقف إطلاق النار شهدت هدوءاً تاماً، ويضيف: «عادة في مثل هذا الوقت، تحلق ثلاث أو أربع طائرات لرمي البراميل المتفجرة. أما اليوم فالحمدلله لم يحدث أي قصف». ويقول بسام سلحب (55 عاماً) وهو تاجر في دمشق: «للمرة الأولى في سورية نشعر بالأمان بعد التزام الجميع بالهدنة»، مضيفاً: «علينا أن نتفاءل جميعاً ونساعد كل الأطراف لاستمرار الهدنة... لأن الناس تعبوا وملوا والأزمة طالت والهدنة هي الحل الوحيد». ولا يخفي عمار الراعي (22 عاماً)، وهو طالب جامعي في كلية الطب في دمشق، أنه فوجئ «بالهدوء الذي حصل منذ ليل أمس (الجمعة)»، مضيفاً: «أحد أصدقائي في ألمانيا بعث إلي برسالة في الصباح يسألني مازحاً: هل انتهت الحرب، ومتى تنصحني بالعودة؟»، ويتابع: «ربما هي المرة الأولى التي نستيقظ فيها من دون أصوات قصف أو مدفعية، دمشق أجمل من دون حرب».