يمكن معد ومقدم برنامج «نجوم الغد» الذي تبثه قناة «النيل الأزرق» السودانية ان يدعي انه الأعرق والاكثر ريادة بين سائر مقدمي البرامج المعنية بالاطفال الموهوبين في العالم العربي. ومع ما يتميز به من صلابة وشدة في صد كل الآراء التي تغالطه في ذلك، يمكنه الاطمئنان إلى هذه المركزية «المشتهاة» إلى الابد! لكن ما بدر اخيراً من بعض «نجومه الصغار» يستحق منه التفاتة سريعة، حتى لا يفقد المزيد من اعتباره بصفته فناناً وتربوياً؛ فمن اتهامات صغيرة ب «المحاباة والتحيز» لمصلحة «البنات الجميلات»، كما قال احد «صغاره» لصحيفة محلية، وصل الأمر إلى اتهامه من «تلامذته» انفسهم ب «الاستيلاء على أموالهم»! هكذا عرف «الصغار» الطريق إلى الصحافة لإشهار قدراتهم في المنازعة، وها هم يتهمون «معلمهم» الذي علمهم سحر الاطلالة التلفزيونية الاسبوعية، أو يبتزونه أو أي شيء من هذا القبيل ومن دون خشية من أحد وبلا حياء! الآن، ليس من نفع بالطبع لما قاله الاعلامي محمد سليمان في الحلقة الاخيرة من البرنامج، حيث وصف اولئك النجوم الصغار المتمردين ب «الجاحدين»، داعياً الدفعة الجديدة من الاطفال الى التحلي بالتواضع والاحترام؛ فالمشكلة هي البرنامج وسياسته لا اولئك الصغار المبهورين بلمعة التلفزيون وبريقه الأخاذ! ولو ان سليمان تساءل مثلاً لماذا تفرقت لجنة التحكيم التي كانت تضم موسيقيين وملحنين - وهم أكثر اختصاصاً منه هو الاذاعي بالطبع - لو انه سأل لماذا خرج هؤلاء بسخطهم إلى الصحف - قبل نجوم البرنامج - لكان عرف اين المشكلة؟ فالبرنامج بدا أول أمره كمدرسة لرعاية المواهب، ووجد دعماً اعلامياً لافتاً باعتبار انه يمكن ان يساهم في حل اشكالية غياب المنابر ويساعد المواهب الشابة في التعريف بما لديها من امكانات مبدعة في مجالات الموسيقى والشعر والغناء... لكن سرعان ما تحوّل إلى ما يشبه «شركة انتاج فني» مسعورة لا حد لنهمها؛ وكل همها ان تزيد من حظوظها في التنسيق والإعداد لحفلات جماهيرية، يحييها النجوم الصغار، ويُروّج لها ب «البوسترات الملونة» في شوارع الخرطوم. ولم يقف الأمر هنا اذ عرف اولئك الاطفال، عبر هذا البرنامج، الطريق إلى الحفلات الجماهيرية في دول مثل الإمارات وقطر وسواهما من اقطار عربية تتكاثر فيها الجاليات السودانية! وكنا سألنا منذ فترة: كم تكسب قناة «النيل الازرق»، وكم يخسر الاطفال من كل ذلك؟ اذ لاحظنا ان ثمة ما يمكن ان يدخل في باب التعدي على حقوق هؤلاء الصغار. فمثلاً هناك طريقة البرنامج في استقبال الصغار وتقديمهم على الشاشة من دون مراعاة أمور مهنية بسيطة مثل تهيئتهم نفسياً لهذه الانتقالة إلى الشاشة وما تجره من شهرة ونجومية وما إلى ذلك... وفي هذا الإطار نذكر كيف ان احدى الفائزات بجائزة البرنامج تحوّلت لهجتها الى المصرية في حوارها مع التلفزيون السوداني عقب فوزها، وكيف ان اخرى ظلت تتغيب عن صفها الدراسي من اجل بروفات البرنامج... إلخ. هناك ايضاً أمور أخرى غير واضحة في علاقة القناة بأطفال هذا البرنامج وهي تستحق المراجعة، وليس اقلها بالطبع نصيب الاطفال من العائد المادي الكبير الذي تستقطبه اطلالتهم على الشاشة. ليس من الاعلانات الكثيفة التي تصحب بث البرنامج أو الشركات الراعية، ولا من الحلقات التي تعيدها القناة المعروفة بمكتبتها الغنائية الفقيرة، ولكن من الحفلات الجماهيرية التي تنسقها القناة ويحييها هؤلاء الاطفال. ويبقى السؤال: هل يبدو غريباً ان يتعلم اطفال البرنامج الظهور على صفحات الصحف المحلية بصورهم المكبرة - وبأكثر مما ظهر مقدم البرنامج ومعدّه ربما - للمطالبة بحقوقهم «المادية» على الاقلّ؟